«مرض الزهايمر (مسرحية)»: الفرق بين المراجعتين
(أنشأ الصفحة ب'مرض الزهايمر».. احترافية التشخيص تاريخ النشر: الخميس 29 مارس 2012 أحمد علي البحيري مسرحية “مرض...') |
(لا فرق)
|
مراجعة 01:30، 1 أبريل 2017
مرض الزهايمر».. احترافية التشخيص تاريخ النشر: الخميس 29 مارس 2012 أحمد علي البحيري
مسرحية “مرض الزهايمر” لفرقة المسرح الوطني التونسي، تحمل إشكالياتها سواء على مستوى العرض أو على مستوى رؤية النص أو على مستوى نوع الحوار وفن الكتابة الدرامية، وهي مع ذلك نوع مختلف من المسرح العربي المعاصر، ولهذا كله كانت المسرحية محور اهتمام نقدي واسع خلال عروضها ضمن المنافسة الرسمية في مهرجان المسرح العربي الرابع الذي اختتم فعالياته في العاصمة الأردنية عمان مؤخراً، كما كانت محط اهتمام من القائمين على شؤون أيام الشارقة المسرحية في دورتها الثانية والعشرين، حيث تم اختيار “مرض الزهايمر” في عرض ليلة لافتتاح الأيام التي شهدت حضورا عربيا لافتا من جانب عدد من الشخصيات ذات الصلة بفنون المسرح عامة، والنقد والكتابة والتحكيم بصفة خاصة.
الملحق الثقافي
العرض الافتتاحي التونسي لأيام الشارقة المسرحية يقدم صورة الديكتاتور في انهياره «مرض الزهايمر».. احترافية التشخيص تاريخ النشر: الخميس 29 مارس 2012 أحمد علي البحيري
مسرحية “مرض الزهايمر” لفرقة المسرح الوطني التونسي، تحمل إشكالياتها سواء على مستوى العرض أو على مستوى رؤية النص أو على مستوى نوع الحوار وفن الكتابة الدرامية، وهي مع ذلك نوع مختلف من المسرح العربي المعاصر، ولهذا كله كانت المسرحية محور اهتمام نقدي واسع خلال عروضها ضمن المنافسة الرسمية في مهرجان المسرح العربي الرابع الذي اختتم فعالياته في العاصمة الأردنية عمان مؤخراً، كما كانت محط اهتمام من القائمين على شؤون أيام الشارقة المسرحية في دورتها الثانية والعشرين، حيث تم اختيار “مرض الزهايمر” في عرض ليلة لافتتاح الأيام التي شهدت حضورا عربيا لافتا من جانب عدد من الشخصيات ذات الصلة بفنون المسرح عامة، والنقد والكتابة والتحكيم بصفة خاصة.
اختيار العرض التونسي “مرض الزهايمر” الحائز جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، كأفضل عرض مسرحي عربي لتلك الدورة، ليكون واجهة الافتتاح الرسمي لأيام الشارقة المسرحية له دلالاته، كما أن فوز المسرحية بالجائزة له دلالاته أيضا على الرغم من انقسام النقاد حول رؤية المسرحية وموضوعها، ولهذا جمالياته أيضا، فالاتفاق والاختلاف على عرض مسرحي ظاهرة صحية لا تفقد هذا العرض ألقه وهدفه ورسالته ورؤيته، ومن ذلك نقول إن النجاح الجماهيري والنقدي اللافت الذي حققه العرض التونسي في الشارقة يستحق وقفة ونظرة. فما كتبه النقاد عن المسرحية ونجاحها لا يبتعد كثيرا عن تلك الأجواء التي حظيت بها المسرحية في عروضها في العاصمة الأردنية عمّان. وعلى العموم تبقى وجهات النظر المختلفة حول أي عمل مسرحي هي الظلال لما تراه لجنة التحكيم في النهاية.
وعودة إلى مسرحية “مرض الزهايمر” في عروضها ما بين عمان والشارقة نجد الكثير مما يمكن قوله وطرحه في إطار يحفظ للمسرحية رؤيتها الخاصة.
المسرح الروائي يقول الناقد الفرنسي الشهير بيير إيميه توشار: “أن يكون لدى المؤلف شيء يقوله، وأن يقوله بصراحة، لا يكفي لتبرير ميلاد العمل المسرحي، إن ما يبرر هذا الميلاد هو أن يكون لدى الجمهور شيء يسمعه”. ربما ينطبق مثل هذا القول على مسرحية “مرض الزهايمر” التي قدّمتها فرقة المسرح الوطني في افتتاح أيام الشارقة المسرحية، وقبلها ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي الرابع نص وإخراج مريم بوسالمي التي اهتدت في نصّها إلى ما يمكن تسميته بـ(المسرح الروائي)، حيث يقول الكاتب ما يراه، وما لا يراه لا يقول عنه شيئا، فيصنع بذلك إشكالية تجعل حالة الانفصال النقدية المباشرة حاضرة لدى الجمهور والنقاد، وهذه الحال التي حققها هذا العرض الذي نجح في جمع القبح والجمال على صعيد بناء كوميديا الموقف يجعل منه عرضا يحمل إشكالياته، ومن هنا تنبع قيمة السهل الممتنع، وهي السلاح ذو الحدين ما بين الفهم وعدم الفهم، وهو ما حدث لعرض “مرض الزهايمر” التونسي الذي احتار فيه نقاد عمان والإمارات، لكنه حصد في النهاية الجائزة والرضا وعدم الرضا في آن واحد، ولعل هذا هو سر الخلطة المسرحية الغريبة التي قدمها هذا العرض.
وفي الواقع إننا لم نكن أمام نصّ تقليدي، بقدر ما عشنا مع ديالوج مسرحي طويل ممتزج بمونولوجات منعزلة تحكي بمجملها قصة صراع جيلين من خلال قصة الشارع التونسي، الجيل الأول ويمثله الأب الذي امتهن المحاماة، معبرا عن سياسة وثرثرة وديكتاتورية الحرس القديم وانغلاقه وثباته على شرعية قانونية زائفة من صنع يديه ثم تفكيكه مع حضور الوعي والانفتاح على الجديد، والثاني ويمثله الابن الشاعر الفاشل الحالم الرومانسي في فضاء الحرية، وما بين فكرتي صراع العقل والعاطفة فن (المناقشة المسرحية) على غرار ما عهدناه في إطار مختلف من أعمال الإيرلندي برنارد شو والسويدي هنريك إبسن، لكن فن المناقشة التونسي هبط اضطرارياً على المسرح، بفعل سيطرة الاحترافية الإخراجية التي أقيمت على لغة التمثيل، وليست لغة النص التي حملت إلينا طوال ستة عشر مشهدا مفردات فرنسية، و”قفشات” حوّلت بعض المشاهد إلى مباراة في صناعة النّكتة، والتهكم الذي يبعث على الابتسام والتفكه أحيانا، وعلى الضحك المرير أحيانا أخرى، مما أضعف محملات هوية اللغة، وبقينا طوال الوقت ندور في حلقة مفرغة، ننتظر التكرار في المعنى الذي أفضى في النهاية إلى رحيل الأب وموته على يدي ابنه ضمنا، وربما يكون أكثر ما يبعث على التساؤل والحيرة في هذا العرض ما تمثل في نهايته التي جاءت قاسية موجعة، بل خارجة عن سياق فن الحوار والمناقشة الذي أقيم عليه بناء المشاهد، إلى حد التساؤل: ما هذا النمط الفريد من الأولاد القساة العاقين الذي تقدمه لنا الكاتبة والمخرجة مريم بوسالمي؟ حينما نرى في آخر وسط الخشبة ووسط ظلال شاحبة من الإضاءة والترنيمات اللحنية والمؤثرات، الابن في مشهد موجع من التّشفي، وهو يحتفل بعيد ميلاده على قبر أبيه، وحتى لو سلّمنا جدلا أن مثل هذا المشهد يحمل إشكالياته وإسقاطاته حول الانتقام من السلطة والديكتاتورية، فإن توظيفه بهذه الغرائبية من المفارقة، لم يكن موفقا ولا منطقيا على مستويات الفكرة الرئيسية والرؤية الفنية كافة، بل على العكس فمثل هذا المشهد وغيره من المشاهد التي احتوت على ثرثرة مسرحية أكد على فراغ (مشاهد الأفكار الذهنية) الممتدة في طولها، بحيث لم تنجح بعض المشاهد الموجهة للجمهور في جذبه لدخول حلبة اللعبة المسرحية التي ابتدعها بريخت في مسرحة المسرح وكسر الإيهام المسرحي، فإن التداخلات غير الواضحة في التشخيص، وانحراف زوايا الإضاءة قد أجهزت على تكنيك كسر الجدار الرابع الذي لا ينسجم أساساً مع توليفة تصميم المشاهد، لهذا وذاك كنّا أمام (خلطة مسرحية غريبة) ربما لم أفهمها أنا وفهمها غيري بمنطق معاصر تناول حكاية موت الدكتاتورية على يدي الديموقراطية الجديدة.
احترافية التشخيص
لقد كنّا في الواقع أمام (عرض المخرج) بكل مقوماته سواء على مستوى التمثيل الاحترافي أو على مستوى الإضاءة المحكمة التي تركزت على شكل (معين هندسي) في وسط المسرح، ثم تلك الاستخدامات الجميلة للكراسي السوداء الصغيرة التي كانت تتحول مع تطور الحالة المسرحية إلى مهمات وممكنات فنية أمكن استثمارها بنجاح في بناء مناظر تشكيلية في الفراغ المسرحي عوّضت استخدام الديكورات الواقعية التي كانت تتغير بسرعة هائلة مع تطور الحالة المشهدية، كما يحسب للمخرجة مهارتها العالية في استخدام البقع الضوئية وتوزيعها بطريقة فنية تذكرنا بجمال مسرح الإضاءة الفرنسي الذي ابتدعه عدد من المسرحيين الشباب قبل نحو عشر سنوات، لقد قدّم الإخراج إضاءة رمزية تقوم على سحر مسح البقع الضوئية بطريقة المونتاج السينمائي، حيث لا تخدش النقلات السريعة المستخدمة كفواصل بين المناظر عين المتفرج ومدركه البصري، لتصبح الإنارة المسرحية هنا شخصية إضافية لمكونات العملية المسرحية، كما أن المخرجة كانت واعية تماما في استخداماتها لفن (التشخيص) الذي بدا واضحا في تأكيد مشهد الصورة، وتلك التداخلات بين الحالة النفسية للاب والواقع التونسي بكل مرارته، ومن أمثلة تلك الصور الغنية بالدلالات الموحية والرموز مشهد (مصارعة الثيران) على طريقة المسرح داخل مسرح، حيث لعب الأب دور مصارع الثيران، وهو يحمل العلم التونسي على وقع موسيقى الفلامنكو، بينما لعب الابن دور الثور، حيث يبدو الإسقاط السياسي جليا، كيف أن السلطة كانت تعامل الناس وكأنهم ثيران هائجة، لا بد أن تنتهي حياتها بالموت، حيث الغموض في لعبة القتل ولهذا رمزية كبيرة ودلالة تفهمها الجمهور على الفور.
العرض الذي وصل إلينا في شكل (فانتازيا رمزية) عالج مشاهده التي تخلو من الأحداث الدرامية، بالمعادل الموضوعي ممثلا في مرض الزهايمر الذي يعانيه الأب، وهو في تقديري (زهايمر) من نوع خاص يشتغل على الذاكرة الجمعية، وكان من الطبيعي أن يلجأ الإخراج في ظل فقدان الشكل المسرحي والبناء الفني المحكم أو التقليدي، إلى جماليات الصورة الخشنة ذات الأسلوب التعبيري المعاصر، حيث شكّلت الحركة الثنائية الثابتة في قلب المسرح بعدا ثالثا للعبة المسرحية، من خلال أسلوبية الواقعية النقدية بنفس تجريبي واضح في استخدام بارع للملابس، والإكسسوارات، والصوت المسجل، والحيل المسرحية التي بدت واضحة في استخدام المرآة العاكسة للحالة النفسية لشخصية الأب، كذلك استخدامه البارع لإكسسوار العمود الحديدي المعلق عليه المصل العلاجي للأب وهو في مراحله الأخيرة، وتحويله إلى بندقية صوّبها إلى ابنه الذي كان يشخص طائرا ثم أرداه قتيلا وسط تناثر الورق في فضاء المسرح في قراءة بصرية أخاذة للعين والروح، ما حقق لهذا المشهد جماليات ومشهدية بصرية عالية المستوى شكلا ومعنى ومبنى، أضف إلى هذا كله نجاح استراتيجية التمثيل وتوظيف الجسد في الفراغ، فقد شكل ممثلا دور الأب والابن (دويتو) متماسكاً على الرغم من الفضاء الواسع وخلوه من الديكورات والمجاميع من الممثلين، ولو أنه جرى اختزال مشاهد العرض وتكثيفها زمنيا لأمكن لممثلي العرض الوحيدين من استكمال سيمفونية التمثيل الذي كان في الحقيقة هو بطل هذا العرض الذي خانه الحظ في التعبير عن حالة الشارع التونسي بالقدر الذي كنّا نتوقعه على الأقل في ظل الظروف التي يمر بها المجال الإبداعي في هذا البلد الذي حرّك العالم في ثورته التي انطلقت من إحراق محمد البوعزيزي جسده.
نفحات فرنسية
إن هذا كله لم يشفع لعرض التقنية المعاصرة المتلامس مع نفحات من المسرح الفرنسي “مرض الزهايمر” من الوقوع في فخ الاستاتيكية وشباك الإيقاع الرتيب، حيث إن الحشد الهائل من المشاهد المكررة ذات التفاصيل الزائدة جعلت المتفرج يشعر بإشباع فني بعد المشاهد الستة الأولى التي امتازت بإيقاع لاهث، وكانت تدفع بقوة إلى نهاية العرض، لولا أن كاتبة النّص كانت تلح بقوة على اللعب فوق خيوط مشهد التفاصيل والإغراق في تكرار الحالة النفسية التي اكتشفها المتفرج مسبقا منذ انطلاقة اللحظات الأولى من المسرحية في صراع الفرد مع التشريعات والقوانين الميكانيكية التي يضعها أهل القرار لمصلحتهم الذاتية في الغالب، حيث بدت الزوائد واضحة في الصياغة، كما بدت الهوة والفجوة تتسع بين ممثلي المسرحية، بعد أن أفقدهما التطويل هارمونية ثنائية الانسجام التي صنعها المشهد الأول الذي سجل استهلالاً قوياً للعرض، بما فيه من تشويق وتركيز وموحيات بدت في الهدوء الفني للمشهد التمثيلي، وعلى ذلك يمكن القول إن بعض المشاهد كان يمكن حذفها أو اختزالها من دون أن تتأثر المسرحية التي حملت (فضفاضية) أضاعت تلك (الثيمة) الضمنية التي كنّا نسعى لملامستها ممثلة في الموقف السياسي الساخن والوضع الاجتماعي الممزق، ولا شك في أن هذه الفكرة لو تحققت بمنطقية درامية مدروسة لحققت للعرض رسالته الداعية إلى الحرية والعدالة وفكرة الخلاص، وهي فكرة عميقة طرقها المسرح العالمي المعاصر في تكنيكات مختلفة ضمن إطار تكييف الجو وتكثيف المشاعر.
إن قضية (الموت) التي طرحها هذا العرض في غاية من الشفافية والترميز كانت هي القضية الوحيدة العادلة التي لامست حياة بطل العرض (الأب)، وهو في خريف العمر، وكان من حيث لا يدري يسعى حثيثاً إلى مصيره، وكنّا نأمل لو كان هناك معادل موضوعي حقيقيل ومنطقي يتوازى مع الحدث المسرحي الوحيد الذي امتلكه النّص، ولكن من أسف فقد جاء الخلاص فجّا وقاسيا ومروعا ومتشنجا، وبخاصة أن الإسقاط السياسي كما ذكرنا هو إسقاط معاصر ويرتبط إلى حد كبير بالطرح التونسي الذي كنا نتوقع أن يكون جديدا وأكثر قوة وصقلا ووعيا لفكرة الخلاص بالموت.
مع ذلك يمكننا القول إن عرض “مرض الزهايمر” في الشارقة لم يخل من الجودة والجماليات على صعيد صقل المشهد المسرحي، وعلى صعيد بناء الصورة المشهدية، والتوفيق في تحقيق السجال التمثيلي في الديالوج الطويل، ولعل نجاح مرونة التمثيل هو ما خفف من حدة الرتابة في تراتبية المشاهد المسرحية من حيث البناء وإسلوبية الإخراج، فكما يبدو لنا فإن مخرجة العرض قد استفادت كثيرا من أخطاء العرض الذي قدم إلى جمهور الأردن في مهرجان المسرح العربي، حيث وجدنا توازنات من نوع آخر في العرض الخاص بجمهور الإمارات وأيام الشارقة المسرحية، وما بينهما كان في الواقع حل وسط في الرؤيا والرسالة والهدف، وبخاصة أننا ما زلنا نعيش تأثيرات أيام ثورات الربيع العربي التي تتصاعد، وكان لا بد من رؤية جديدة لمناقشة سقوط الدكتاتورية بطريقة أكثر موضوعية، وأكثر صقلا، وأكثر معاصرة، وأكثر احتراما لعقلية المتفرج العربي.
آراء (مع) و(ضد) حول حيثيات الفوز
بعد إعلان لجنة التحكيم عن فوز مسرحية “مرض الزهايمر” التونسية بجائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض مسرحي لعام 2011، ضمن منافسات مهرجان المسرح العربي الرابع الذي انعقد في العاصمة الأردنية عمان في الفترة ما بين 10 إلى 16 يناير الماضي، ثار جدل واسع في أوساط النقاد الذين شاركوا في الحدث ما بين (مع) و(ضد)، لكن المجمل العام ركّز على إشكاليات كثيرة حول هذا الفوز، فالذين كانوا ضد المسرحية بنوا آراءهم على أن العرض المسرحي اتسم بالإطالة والملل والتكرار على مستوى المشاهد والإخراج والصورة الفنية، ولم يشفع أن موضوع المسرحية يناقش موضوع وسقوط الديكتاتورية في إطار معاصر يتناول هوامش الشارع التونسي على وجه الخصوص والشارع العربي على وجه العموم، كما وجّه النقاد الذين عارضوا فوز المسرحية بالجائزة الانتقاد الشديد لإخراجها الذي استقى شكل ومقومات المسرح الفرنسي المعاصر والقريب من أعمال المسرح الموسيقي الخفيف في إطار غرّب النص والموضوع وأبعده عن إيقاعه العربي وهويته التي نطمح جميعاً إلى تحقيقها لا سيما وأننا في مهرجان مخصص للمسرح العربي، وإن كان هؤلاء قد اثنوا على إتقان التمثيل والأداء وأجواء السينوغرافيا في العرض.
الذين كانوا مع فوز المسرحية أكدوا أنها عمل عربي من طراز خاص على مستوى الفكرة وجرأة الطرح والتناول إلى جانب الصراع بين الأجيال في المجتمع التونسي، كما أن الأجواء التي تم طرحها من خلال ديالوج مسرحي طويل في مشهدية متنقلة تؤكد حرفية عالية في مجال الشغل المسرحي وتحريك المشهد المسرحي الصعب المركب من خلال ممثلين اثنين فقط.
في حديث خاص لي مع رئيس لجنة التحكيم حول فوز المسرحية بالجائزة أكد قول النقاد “إنها تتسم بالإطالة الشديدة وبعض الفجوات في الخطاب اللغوي، وكان يمكن اختصار مشاهدها وتكثيفها من دون إخلال بالفكرة”، لكنه في الوقت ذاته وصفها بالمسرحية المتفردة على مستوى الشغل والتقنية والأجواء المسرحية المعاصرة والإيقاع والصراع الديالكتيكي المنضبط الذي كان يكشف عن الحالة النفسية للشخصيات بمهارة فنية عالية المستوى والتعبير.
ما بين هذا وذاك تبقى قضية فوز العروض المسرحية في أي مهرجان مسرحي عربي أو عالمي محط جدل، وهذا في الواقع أمر طبيعي يعزز فكرة حوار التجارب، ولولا الاختلاف والتجاذب والرأي الآخر والاتجاه المعاكس لما كانت هناك جماليات لأي منافسات، ولهذا فإن مقاييس النقد في مثل هذه الحالة لا تعتمد المسطرة والقلم، فهناك دوماً اجتهادات بجانب الرأي العلمي التطبيقي، لقد فازت المسرحية، ونالت الجائزة، وسط حشد جماهيري وإعلامي كبيرين، ومع ذلك قدم النقاد المعارضون لفوزها التهنئة من باب أن الحدث قد تم، ولا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب