علاج الشجاج والجروح (طب شعبي)
محتويات
السعودية
الشجاج والجروح مهمة تصنيفها بغرض تقدير الدية المقررة من قبل القاضي كانت موكولة لأشخاص يعرفون ب"مقدروا الشجاج والجروح" وهم موظفين رسميين في وزارة العدل. أحد الشيوخ الكرام في مسجد مديتة زلفي في السعودية ورد في إذاعة القرآن الكريم السعودية في حلقة عن المسجد القديم أنه كان يأتيه الناس لعلاج جراحهم؟ وبالبحث عنه على الإنترنت وجد أنه كان يعمل "منذراً للشجاج والجروح" ولم يستدل على معنى وظيفة "منذر الشجاج والجروح".
محمد العمر
الشيخ محمد بن عمر بن رحمه والشهير ب محمد العمر. كان رجلاً فاضلاً تعلم على يديه الرعيل الأول من أبناء الزلفي. كان مفتياً ومؤذناً وإماماً للصلاة في الجامع الكبير وَمُنَذِّراً للجروح والشجاج وقد افتتح مدرسة الدراسة فيها مجانيه[1]. وإبنه الشيخ احمد بن محمد العمر مؤذن جامع الملك عبدالعزيز بالزلفي (الجامع الكبير) شيعت جنازته في محافظة الزلفي عصر السبت 29 / 8 / 1423هـ عن عمر يناهز التسعين عاما. وهو أقدم مؤذن عرفته محافظة الزلفي وإشتهر بصوته الشجي المميز . وكان قد تولى الاذان بالجامع الكبير خلفا لوالده العلامة محمد العمر رحمه الله في عام 1381 هـ . وقام بعمله حتى قبل وفاته بخمس سنوات تقريبا اثر مرض أقعده عن مواصلة مسيرته ، وقد عرف عنه إلمامه وإدراكه بالمواقيت والأهلة دون الاستعانة بوسائل التوقيت الحديثة ، فكان يعتمد على قياسه الدقيق منذ شروق الشمس حتى غروبها والتي تطابق القياس الزمني بوسائله الحديثة. وقد كسب ثقة الأهالي واعتمدوا عليه في كتابة وصاياهم ومبايعاتهم. كما عمل بالمحكمة العامة بالزلفي ينذر بالشجاج والجروح حتى تقاعده عام 1420 هـ ، وقد ووري جثمان الفقيد الثرى بالمقبرة الشمالية وقد خلفه في الاذان بالجامع ابنه عبدالمحسن [2].
كلمة منذر[3]
مُنذِر: ( اسم ) فاعل من أَنْذَرَ
جَاءهُ مُنْذِراً : مُحَذِّراً ، مُنَبِّهاً
رسول ، رجلٌ يعرف الأشياء فيُعْلِمُها قوْمَه
مُنذِر: ( اسم )
مُنذِر : فاعل من أَنذَرَ
مُنذَر: ( اسم )
مُنذَر : اسم المفعول من أَنذَرَ
أَنذَرَ: ( فعل )
أنذرَ يُنذر ، إنذارًا ، فهو مُنذِر ، والمفعول مُنذَر
أَنْذَرَهُ الأمْرَ أَوْ بِهِ : أَعْلَمَهُ ، أَخْبَرَهُ ، خَوَّفَهُ بالعواقِبِ قَبْلَ وُقوعِها أَنْذَرَهُ بِما قَدْ يَحْدُثُ لَهُ إِذا هُوَ لَمْ يَأْخُذْ حَذَرَهُ
قد أعذر من أنذر : أي من نبَّه على الخطأ فقد أزال عذر المخطئ
مُنْذِرٌ :
[ ن ذ ر ]. ( فاعل من أَنْذَرَ ). :- جَاءهُ مُنْذِراً :- : مُحَذِّراً ، مُنَبِّهاً .
المعجم: الغني
مُنذِر :-
1 - اسم فاعل من أنذرَ .
2 - رسول ، رجلٌ يعرف الأشياء فيُعْلِمُها قوْمَه :- { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ }: مُعْلِم ومُبلِّغ ، - { وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ } :-
• أبو مُنْذِر : كُنية الدِّيك .
المعجم: اللغة العربية المعاصر
أنذرَ:
أنذرَ يُنذر ، إنذارًا ، فهو مُنذِر ، والمفعول مُنذَر :-
- أنذر الشَّخصَ الأمرَ / أنذر الشَّخصَ بالأمر / أنذر الشَّخصَ من الأمر أعلمه به ، وخوّفه منه قبل وقوعه ، وحذّره من عواقبه :- أنذره بتسليم نفسه ، - أنذره الخطر / شفهيًّا ، - { فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى } :-
- قد أعذر من أنذر : أي من نبَّه على الخطأ فقد أزال عذر المخطئ .
المعجم: اللغة العربية المعاصر
تصنيف الشجاج والجروح عند العرب[4]
المكتبة المقروءة : الفـقه : الشرح الممتع على زاد المستقنع - المجلد الرابع عشر [5]
بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ
الشَّجَّةُ: الْجُرْحُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ خَاصَّةً، وَهِيَ عَشْرٌ: الْحَارِصَةُ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ، أَيْ: تَشُقُّهُ قَليلاً وَلاَ تُدْمِيهِ، ثُمَّ الْبَازِلَةُ الدَّامِيَةُ الدَّامِعَةُ وَهِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ، ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تَبْضَعُ اللَّحْمَ، ثُمَّ الْمُتَلاَحِمَةُ وَهِيَ الْغَائِصَةُ فِي اللَّحْمِ، ثُمَّ السِّمْحَاقُ وَهِيَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ رَقِيقَةٌ، فَهذِهِ الْخَمْسُ لاَ مُقَدَّرَ فِيهَا، بَلْ حُـكُـومَـةٌ،.....
قوله: «الشجاج» : جمع شجة، و «كسر العظام» معروف.
قوله: «الشجة الجرح في الرأس والوجه خاصة» هذا هو تعريف الشجة، وإنما يتلقى معناها ومدلولها من العرب، والعرب لا يسمون شجة ما كان جرحاً في ساق، أو فخذ، أو صدر وغيره.
والشجة عند العرب مراتب، بدأ المؤلف فيها بالأسهل فالأسهل، فقال: «وهي عشر: الحارصة التي تحرص الجلد، أي: تشقه قليلاً ولا تدميه» ، فهي سهلة جداً كحكة الظفر.
قوله: «ثم البازلة الدامية الدامعة وهي التي يسيل منها الدم» «البازلة» من البزل وهو الشق، ومنه البزول التي يفعلونها في النخيل، فيشققون في النخيل شقاً لأجل أن يتسرب عنه الماء المالح، فالبازلة سميت دامية؛ لأنه ظهر منها الدم.
وسميت دامعة؛ لأنه يسيل منها الدم تشبيهاً بدمع العين، حتى لو كان الدم قليلاً كنطفة فهي بازلة ما دام أن الدم قد سال.
قوله: «ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم» أي: تجاوزت الجلد إلى اللحم وبضعته، أي: شقته.
قوله: «ثم المتلاحمة وهي الغائصة في اللحم» سميت بذلك لغوصها في اللحم، فكأنها صارت جزءاً منه.
قوله: «ثم السمحاق وهي ما بينها وبين العظم قشرة رقيقة» السمحاق أصلها القشرة التي بين اللحم والعظم، وهي القشرة البيضاء، فسميت الشجة باسم هذه القشرة؛ لأنها وصلت إليها.
وهذه الشجاج يرجع فيها إلى أهل الخبرة، وأهل الخبرة عندهم مسبار، وهي آلة يسبرون بها مقدار الجرح ويعرفونه تماماً.
قوله: «فهذه الخمس لا مقدّر فيها بل حكومة» أي: ليس فيها شيء مقدر من الدية، بل فيها حكومة، فإذا طالب المجني عليه بدية، فليس له إلا حكومة.
والحكومة: أن نقدر هذا الذي جُني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم نقدره كأنه عبد بريء منها، فما بين القيمتين له مثل نسبته من الدية.
فإذ قدّرنا أن قيمته عشرة الآف ريال لو كان عبداً بدون جناية، وهو بالجناية وقد برئت يساوي تسعة الآف وخمسمائة، فديته نصف العشر ـ أي: خمس من الإبل ـ فيكون في الجناية خمس من الإبل.
ولكنهم يقولون: إنه إذا كانت في موضع له مقدَّر فإنه لا يبلغ بها المقدر، وهنا في موضع له مقدر؛ لأن غالب الشجاج فيها شيء مقدر، وعلى هذا فإذا قالوا: إنَّ الحكومة تبلغ خمساً من الإبل نقول: لا نعطيه خمساً من الإبل، لأن في الموضحة وهي أعظم من هذه خمساً من الإبل، ولكن نعطيه خمساً من الإبل إلا قليلاً.
وَفِي الْمُوضِحَةِ وَهِيَ مَا تُوضِحُ اللَّحْمَ وَتُبْرِزُهُ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، ثُمَّ الْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتُهْشِمُهُ وَفِيهَا عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ، ثُمَّ الْمُنْقِلَةُ وَهِيَ مَا تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتَهْشِمُهُ وَتَنْقُلُ عِظَامَهَا، وَفِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الإِْبِلِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَأْمُومَةِ وَالدَّامِغَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، قوله: «وفي الموضحة وهي ما توضح اللحم وتبرزه» هكذا قال المؤلف ـ رحمه الله ـ، لكن قال في الروض[(61)]: «الصواب العظم»، لكن يقولون: إن النقل أمانة، فانقل الكتاب على ما هو عليه، لا سيما إذا كان بخط المؤلف، ثم تعقبه إذا كان فيه شيء من الخطأ. فهنا نقول: هي بخط المؤلف «ما توضح اللحم» وهو خطأ بلا شك، فلعلّه سبق قلمٍ من المؤلف، والصواب أنها توضح العظم. وسميت بهذا الاسم؛ لأنها أوضحته وبيَّنته، فالموضحة وصف لموصوف محذوف، والتقدير شجة موضحة للعظم.
قوله: «خمسة أبعرة» جناية الموضحة إذا كانت خطأ فله خمسة أبعرة، واحدة لها سنة، والثانية سنتان، والثالثة ثلاث سنوات، والرابعة أربع سنوات، والخامسة ذكر من بني مخاض له سنة.
وإذا كانت الجناية شبه عمد أو عمداً ولم يختر القصاص فتكون أرباعاً، ونجعل الخامسة من الوسط.
قوله: «ثم الهاشمة وهي التي توضح العظم وتهشمه وفيها عشرة أبعرة» اشترط المؤلف شرطين، وهما إيضاح العظم وهشمه، فإن هشمته بدون إيضاح فحكومة، ولا تكون هاشمة؛ لأن الهاشمة لا بد أن توضح العظم وتهشمه، وفيها عشرة أبعرة.
قوله: «ثم المنقلة وهي ما توضح العظم، وتهشمه، وتنقل عظامها، وفيها خمس عشرة من الإبل» هذه أشد من التي قبلها، وفيها خمسة عشر من الإبل، وكل هذه ورد فيها النص عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم[(62)].
قوله: «وفي كل واحدة من المأمومة والدامغة ثلث الدية» المأمومة: هي التي توضح وتهشم وتكسر العظام، وتنقلها وتصل إلى أم الدماغ، وأم الدماغ هي الوعاء الذي فيه المخ، فيها ثلث الدية كما صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث قال: «في المأمومة ثلث الدية»[(63)] .
وقوله: «والدامغة» وهي التي تخرق جلدة الدماغ، وهي أشد من المأمومة وفيها ثلث الدية.
وقال بعض العلماء: في الدامغة ثلث الدية وأرش؛ لأنها أعظم من المأمومة، فإذا كانت أعظم فيجب أن تكون أكثر.
والمذهب يقولون: إن هذه مثل ما لو قطع الكف، أو الكف والمرفق، فإذا قطع الكف ففيه نصف الدية، وإذا قطعه مع المرفق فكذلك نصف الدية، فإذا وصل إلى أم الدماغ وهي أعظم الشجاج استوى ما خرق الدماغ وما لم يخرقه، والذين يقولون بالأرش قالوا بالتفريق، وأما القياس على اليد ففيه نظر؛ لأن اليد عضو واحد، فهي يد سواء قطعتها من الكتف، أو من المرفق، أو من العضد، وأما الدامغة فهي أكثر خطراً من المأمومة التي تصل إلى أم الدماغ ولا تخرقه، فلا يمكن أن نسوي بين مختلفين، وهذا القول قوي جداً، وهو أنه إذا خرقت الدماغ فيعطى المأمومة والأرش.
وأيضاً يقولون: نحن لدينا نص يفرق بين هذه الشجاج، فالهاشمة ليست كالمنقلة، مع أن الموضع واحد، والهاشمة ليست كالموضحة فبينها فرق، وإذا كان الشرع فرَّق بينهما والمحلّ واحد عُلِمَ أنه لا بدّ من التفريق، ولذلك فالقول الراجح في المسألة أن الدامغة تجب فيها ثلث الدية مع الأرش.
ولكن يبقى عندنا الحق العام وهو التعدي، فهو لولي الأمر يعزره إن شاء لتعديه.
وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلى بَاطِنِ الْجَوْفِ، وَفِي الضِّلَعِ وَكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ التَّرْقُوَتَيْنِ بَعِيرٌ، وَفِي كَسْرِ الذِّرَاعِ وَهُوَ السَّاعِدُ الْجَامِعُ لِعَظْمَيِ الزِّنْدِ، وَالْعَضُدِ، وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ إِذَا جَبَرَ ذلِكَ مُسْتَقِيماً بَعِيرَانِ،..........
قوله: «وفي الجائفة ثلث الدية، وهي التي تصل إلى باطن الجوف» كل ما لا يرى من المجوف فهو جوف، كالبطن، والصدر، وما بين الأنثيين، والحلق، وما أشبهها، وفيها ثلث الدية، وكل هذه المقادير التي نذكرها ما لم تصل إلى الموت، فإن مات المجني عليه ففيها دية كاملة؛ لأن سراية الجناية مضمونة.
قوله: «وفي الضّلع وكل واحدةٍ من الترقوتين بعير» الضِّلع فيه بعير من جنس أسنان الدية السابقة.
وقوله: «الترقوتين» وهما العظمان المحيطان بالعُنُق، وفي كل ترقوة بعير، وفي الثنتين بعيران.
قوله: «وفي كسر الذراع وهو الساعد الجامع لعظمي الزند» الذراع فيه بعيران.
وقوله: «وهو الساعد الجامع لعظمي الزند» كل يد فيها زندان، أحدهما متصل بالكوع، والثاني بالكرسوع، قال الناظم: وعظم يلي الإبهام كُوع وما يلي * لخنصره الكرسوع والرُّسغ ما وسط وعظم يلي إبهام رِجْلٍ ملقب * ببُوع فخُذ بالعلم واحذر من الغلط
ومراد المؤلف بقوله: «وفي كسر الذراع» إذا كسر ولم ينفصل، أما إذا انفصل ففيه دية اليد كاملة، أي: نصف الدية.
قوله: «والعضُد» معطوفة على الذراع، وليس معطوفاً على الزند، وهو العظم الذي بين الكتف والمِرفق، وفيه بعيران.
قوله: «والفخذ» وهو ما بين الركبة والورك، فإذا كسره ففيه بعيران.
قوله: «والساق» أي: أن في الساق بعيرين، وهذا له شرط وهو ما ذكره المؤلف بقوله: «إذا جبر ذلك مستقيماً بعيران» فإن جبر غير مستقيم ففيه حكومة.
فمثلاً: لو جبر الساق معوجّاً، أو العضد، أو الذراع، أو الزند أو ما أشبه ذلك ففيه حكومة، ولا بد أن ترجع حركة العضو على ما كانت عليه، فإن نقصت ففيه حكومة.
فمثلاً بعد أن كسر انشلَّت يده بعض الشيء، فإن فيه حكومة، وإن جبر مستقيماً؛ لأنه فوَّته بعض المنفعة.
وأما الأدلة على ما سبق، فالضلع والترقوة والزند فيها آثار عن الصحابة رضي الله عنهم[(64)]، وأما البقية فإنها بالقياس، فالترقوة والضلع جنس واحد تقريباً؛ لأنهما في الصدر، وأما الذراع فإنه قد ورد عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أثر أن في الزند الواحد بعيرين[(65)]، وفي كل يد زندان، ففي الزندين أربعة أبعرة، فإذا كان الزند إذا كسر فيه بعيران، فالذراع من باب أولى؛ لأن الذراع جامع لهما، وإذا كان الذراع فيه بعيران، فالساق من باب أولى، وإذا كان الساق فيه بعيران، فالفخذ من باب أولى، ولهذا فقهاؤنا ـ رحمهم الله ـ قاسوا هذه المسألة بعضها على بعض، وقالوا: الآثار وردت في ثلاثة، وقيس الباقي عليه؛ لأنه مثله، أو أولى منه.
وقال بعض فقهائنا: إنه لا تقدير إلا فيما ورد به الأثر؛ أي: الضلع، والترقوة، والزند، والباقي حكومة.
وذهب أكثر أهل العلم: إلى أن الجميع فيه حكومة، وحملوا ما ورد عن عمر في ذلك على أنه من باب التقويم، وإذا كان من باب التقويم صار حكومة، وقالوا: إن الحكومة أقرب إلى العدل، ما دامت المسألة ليس فيها نص من الشارع يجب العمل به، فإنه ليس كسر الزند الواحد ككسر الذراع، والزند الواحد فيه بعيران، والزندان فيهما أربعة، فإذا كان الفرعان فيهما أربعة أبعرة، فكيف لا يكون الأصل وهو الذراع فيه أربعة أبعرة؟! أو العضد أيضاً؟! ولهذا فالقول بالحكومة في هذه الأعضاء أقرب إلى العدل، وحمل ما ورد عن أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ على أنه من باب التقويم له وجه، فربما رأى عمر أن الحكومة تساوي بعيرين في ذلك الوقت، فقال: فيه بعيران.
ثم على فرض أنه ليس تقويماً، وأنه توقيف فإن هذا الفعل من عمر ـ رضي الله عنه ـ يدل على أن له أصلاً في السنة، فيقتصر على ما ورد به النص، ويبقى الباقي على أنه حكومة، وأما أن نقول: إن كسر الفخذ ككسر واحد من الزندين، ليس فيه إلا بعيران، فالمسألة فيها نظر ظاهر.
والراجح عندي في هذه المسألة أن نقول: إن فيها حكومة في الجميع، ويحمل ما ورد عن عمر على أنه من باب التقويم، وما دام الأمر فيه احتمال أن يكون هذا من عمر ـ رضي الله عنه ـ على سبيل التوقيف، أو على سبيل التقويم، فالأصل عدم الإلزام بهذا التقدير حتى يثبت أنه تشريع، وليس تقويماً، ثم إذا تنازلنا، نقول: نجري ما جاء به النص عن أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ، والباقي يكون حكومة، وقد فسرها المؤلف بقوله:
وَمَا عَدَا ذلِكَ مِنَ الْجِرَاحِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَالْحُكُومَةُ: أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لاَ جِنَايَةَ بِهِ، ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهِيَ بِهِ قَدْ بَرِئَتْ، فَمَا نَقَصَ مِنَ الْقِيمَةِ فَلَهُ مِثْلُ نِسْبَتِهِ مِنَ الدِّيَةِ. «والحكومة: أن يُقوَّم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوم وهي به قد برئت، فما نقص من القيمة فله مثل نسبته من الدية» فقوله: «أن يقوَّم» أي: تقدَّر قيمته، ومصدر قَوَّمَ تقويم، وبهذا نعرف الخطأ الشائع عند الناس، يقولون: تقييم، مأخوذ من القيمة، فيقال لهم: أصل القيمة القيومة، ولكن حوِّلت «الواو» إلى «ياء» لعلة تصريفية، وعلى هذا نقول: مصدر قوَّم تقويم.
وقوله: «لا جناية به» أي: أنه سليم، و«الباء» هنا بمعنى «في».
وقوله: «ثم يقوم وهي به» الواو هنا للحال، والحال أن الجناية به، ولكن بشرط، وهو قوله: «قد برئت» وبهذا نعرف أن التقويم لا يكون إلا بعد البرء.
وهل يلزم من هذا التقويم أن ننادي عليه في السوق، ونقول: من يسوم هذا العبد؟ لا، بل يسأل أهل الخبرة، فإن لم يوجد أهل خبرة نأتِ باثنين، أو ثلاثة ممن يوثق بهم، ونقول لهم: قدِّروه لنا.
كَأَنَّ قِيمَتَهُ عَبْداً سَلِيماً سِتُّونَ، وَقِيمَتَهُ بِالْجِنَايَةِ خَمْسُونَ، فَفِيهِ سُدُسُ دِيَتِهِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْحُكُومَةُ فِي مَحَلٍّ لَهُ مُقَدَّرٌ فَلاَ يُبْلَغُ بِهَا الْمُقَدَّرُ.
قوله: «كأن قيمته عبداً سليماً ستون وقيمته بالجناية خمسون، ففيه سدس ديته».
قوله: «كأن» في نسخة أخرى «فإن كان».
وقوله: «عبداً» حال مؤولة أي: مملوكاً، وهي مثل قولهم: بعه مداً.
مثاله: رجل جُني عليه جناية غير مقدَّرة شرعاً، ففيها حكومة، فنقول: قوِّموا هذا الرجل عبداً سليماً، وقوموه عبداً قد جُني عليه وبرئت جنايته، وما بين القيمتين هو ديته، فيعطى مثل نسبته من الدية، فلو قدّرنا هذا الرجل عبداً سليماً قيمته ستون ألفاً، ثم قدرناه عبداً قد جُني عليه بجناية برئت بخمسين ألفاً، فالفرق بينهما عشرة من ستين، أي: السدس، فيُعطى سدس الدية، ولو قدِّر أن قيمته عبداً سليماً مائة، وقيمته بالجناية خمسون، فنصف الدية، وهكذا.
قوله: «إلا أن تكون الحكومة في محل له مقدَّر فلا يبلغ بها المقدَّر» مثال ذلك: السمحاق ليس فيها مقدَّر، والواجب فيها حكومة، فإذا قدرناها بالحكومة فكانت تستوعب عشرة من الإبل، فلا نُعطيه عشرة من الإبل؛ لأن الموضحة وهي أعظم منها قدَّرها الشرع بخمسة، فلا نزيد على الشرع بل نعطيه خمسة إلا قليلاً؛ لأننا لسنا أحكم من الشرع، وإذا كنا كذلك فإن ما حدده الشرع لا يبلغ به ما كان من جنسه.
ونظير ذلك لو أن رجلاً خلا بامرأة ونام معها، واستمتع معها ما بين الفخذين، كل الليل، ثم أردنا أن نعاقبه فلا نجلده مائة جلدة؛ لأننا إذا جلدناه مائة جلدة بلغنا الحد، وهذا الفعل أقل مما يوجب الحد، فلا نعزِّره بتعزير يبلغ الحد؛ لأنه يلزم من ذلك أن يكون عملنا أحكم من عمل الشرع.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز أن نبلغ المقدر، أو أكثر في هذه المسألة، قال: لأن ما ورد به الشرع لا يمكننا مجاوزته لورود الشرع به، وما لم يقدره الشرع فقد جعل تقديره إلينا، وإذا جعل تقديره إلينا، فالواجب أن نتبع ما حصل فيه من نقص، فالشرع لمَّا سكت عنه فمعناه أنه يريد أن يكون الأمر إلينا، ونحن نقدر الأمر وننظر فيه.
ولكن المشهور من المذهب أنه إذا كانت في موضع له مقدر فلا يبلغ بها المقدر.
[61] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/270). [62] سبق تخريجه ص(117). [63] سبق تخريجه ص(117). [64] أخرجها مالك في الموطأ (2/861)، والشافعي في الأم (7/234)، وعبد الرزاق (17578)، وابن أبي شيبة (26955)، وابن حزم في المحلى (10/453) ط. إحياء التراث. [65] أخرجه ابن أبي شيبة (27779).