إبراز الحكم من حديث رفع القلم

من ويكيتعمر
مراجعة 10:03، 25 يوليو 2017 بواسطة Ashashyou (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب' الكتاب: إبراز الحكم من حديث رُفِعَ القَلم المؤلف: أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السب...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى: تصفح، ابحث


الكتاب: إبراز الحكم من حديث رُفِعَ القَلم

المؤلف: أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (المتوفى: 756هـ)

حققه وخرج أحاديثه: كيلاني محمد خليفة

الناشر: دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان

الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1992 م

محتويات

وصف

به جزء عن الخرف/الدمنشيا.

من الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا أخبرنا الحافظ الإمام أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي رحمه الله سماعا عليه، قال: أخبرنا أبو الحسن بن أبي عبد الله بن أبي الحسن البغدادي المعروف بابن المنير قراءة وأنا أسمع، عن الفضل بن سهل والحافظ محمد بن ناصر.

قال الفضل: عن الخطيب أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ.

وقال ابن ناصر: أنا عبد الله بن احمد ابن السمرقندي وابو الحسن محمد بن محمد بن الحسين ابن الفراء قالا: أنا الخطيب.

وفات ابن السمرقندي من السنن الجزء السابع والعشرون، وليس هذا الحديث منه.

قال ابن ناصر أيضا: وقرأت على أبي غالب محمد بن الحسن بن علي البصري الماوردي، أنا أبو علي علي بن أحمد بن علي التستري.

قال الخطيب والتستري: أنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي، ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني رحمه الله تعالى قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، أنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر).

وبه إلى أبي داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: أتي عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناسا، فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال: ما شأن هذه؟ فقالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها. ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل. قال: بلى. قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء. قال: فأرسلها. قال: فأرسلها. قال: فجعل يكبر.

وبه إلى أبي داود: حدثنا يوسف بن موسى، ثنا وكيع، عن الأعمش نحوه، وقال أيضا: (حتى يعقل). وقال: (عن المجنون حتى يفيق). قال: فجعل عمر يكبر.

وبه إلى أبي داود قال: ثنا ابن السرح، أنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، عن سليمان بن مهران، عن ابي ظبيان، عن ابن عباس قال: مر على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... بمعنى حديث عثمان، قال: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم). قال: صدقت. فخلى عنها.

وبه إلى أبي داود قال: (ثنا هناد، عن أبي الأحوص؛ ثنا جرير المعنى، عن عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان، قال هناد الجنبي، قال: أتي عمر بامرأة قد فجرت فأمر برجمها، فمر على علي رضي الله عنه، فأخذها فخلى سبيلها، فأخبر عمر رضي الله عنه، فقال: ادعوا لي عليا. فجاء علي رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، لقد علمت أن رسو الله صلى الله عليه وسليم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ)، وإن هذه معتوهة بني فلان، لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها. قال: فقال عمر: لا أدري. فقال علي: وأنا لا أدري.

وبه إلى أبي داود: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، عن خالد، عن أبي الضحى، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل). قال أبو داود: رواه ابن جريج، عن القاسم بن يزيد، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا آخر ما ذكره أبو داود.

فأما حديث عائشة رضي الله عنها حديث متصل حسن ورجاله كلهم علماء؛ الأسود بن يزيد النخعي، وابن أخيه إبراهيم بن يزيد النخعي جبلان علما ودينا، متفق عليهما. وحماد بن أبي سليمان فقيه أهل الكوفة جليل وحديثه يدخل في الحسن. وحماد بن سلمة عالم كبير روى له الجماعة إلا البخاري، ويزيد بن هارون حافظ ثبت زاهد متعبد، متفق عليه، وعثمان بن أبي شيبة محدث حافظ ثقة وإن كان دون أخيه أبي بكر.

وقد رواه أيضا النسائي عن يعقوب بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة به ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر، عن يزيد وعن محمد بن خالد بن خداش ومحمد بن يحيى الذهلي، عن ابن مهدي جميعا عن حماد به.

أخبرنا بحديث ابن ماجه أقضى القضاة أبو بكر محمد بن عبد العظيم الشافعي المعروف بابن السقطين بقراءتي عليه، عن العدل أبي بكر عبد العزيز بن أحمد عمر بن سالم بن باقا، أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي سماعا لجميع الكتاب خلا الجزء الأول والعاشر والسابع عشر - وهو الأخير - فإجازة وهذا الحديث من الجزء الثامن فهو سماع، قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن الحسين بن أحمد بن الهيثم المقومي إجازة إن لم يكن سماعا، ثم ظهر سماعه بعد ذلك، أخبرنا أبو طلحة القاسم بن أبي المنذر الخطيب، حدثنا أبو الحسن على بن إبراهيم بن سلمة بن بحر القطان، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون. وحدثنا محمد بن خالد بن خداش ومحمد بن يحيى، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق). قال أبو بكر في حديثه: (وعن المبتلى حتى يبرأ).

ورأيت في سؤالات ابن الجنيد: قال رجل ليحيى بن معين - وأنا أسمع - : حديث حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة ...) هو عندك واه؟ فقال يحيى: ليس يروي هذا أحد إلا حماد بن سلمة عن حماد.

وأما حديث علي رضي الله عنه فقد رواه من طرق، والطريق الأخيرة منها معلقة منقطعة، وقد رويناها متصلة إلى ابن جريج بالإسناد المتقدم قريبا إلى ابن ماجه قال: حدثنا محمد بن بشار، ثنا روح بن عبادة، ثنا ابن جريج، أخبرني القاسم بن يزيد، عن علي بن أبي طالب عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يرفع القلم عن الصغير، وعن المجنون، وعن النائم).

وهذا منقطع؛ لأن القاسم بن يزيد لم يدرك عليا.

وأما بقية الروايات فرواية ابن السرح رواها النسائي عنه كرواية أبي داود، ورجالها رجال الصحيح، وهي متصلة، وقد صرح أبو ظبيان فيها بالرفع. ورواية عثمان بن أبي شيبة الأولى صرح فيها بالاتصال دون الرفع، وكذا رواية يوسف بن موسى.

ورواية هناد وعثمان بن أبي شيبة الثانية صرح فيها بالرفع، ولكنها منقطعة بين أبي ظبيان وعلي، ولم يذكر فيها ابن عباس، وأن أبا ظبيان سمع عليا، فيحتمل أن يكون هذا الحديث مما سمعه من علي ومن ابن عباس عنه، ويحتمل - وهو الأقرب - أنه إنما سمعه من ابن عباس عنه، وتكون هذه الرواية منقطعة؛ لأن فيها القصة التي جرت عند عمر، ويبعد أن يكون أبو ظبيان أدرك عمر حتى يكون سمع من علي ذلك الوقت.

وأما رواية موسى بن إسماعيل فمنقطعة أيضا بين أبي الضحى وعلي؛ لأنا لا نحفظ لأبي الضحى رواية عن علي بغير واسطة.

فهذا هو الكلام على رواية هذا الحديث، بتخيل أنه حسن متصل كما قلناه، ووقف بعضهم له وقطع بعضهم لا يقدح في رواية رفعه ووصله.

وأما الكلام على متنه فمن وجوه:

الوجه الأول من الكلام في الحديث

أحدها: - وهو الذي حدانا على الكلام عليه - في قوله: (عن ثلاثة) قد سبق في جميع رواياته ثبوت الهاء فيه، وكذلك هو في النسائي والدارقطني، ويقع في بعض كتب الفقهاء: (ثلاث) بغير هاء، ولم أجد له أصلا، وبلغني عن بعض الفضلاء أنه سأل - كأن لم يطرق سمعه غير ذلك - : لم حذفت الهاء؟ وظن بعضهم أن ذلك لكون المعدود محذوفا كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال) فحذفت الهاء، وإن كان المراد الأيام واليوم مذكر، لما حذفت ولم يضف العدد إليها في اللفظ.

ولما وصل السؤال إليَّ لم أرتض هذا الجواب، واكتفيت في دفع السؤال بتبيين لفظ الحديث، وأنه ثبت فيه التاء من جميع وجوهه، ولو كان كما ظن المجيب لكان الأفصح حذفها كما سنبينه، وليس كذلك، بل الذي ورد به الحديث هو الصواب؛ وذلك لأن حذف التاء إنما جاء عند حذف المعدود المذكر إذا كان المعدود هو الأيام خاصة دون ما سواها من المذكر، كقوله تعالى (يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَربَعَةَ أَشهُرٍ وَعشراً)، وكقوله تعالى: (إِن لَبِثتُم إِلاّ يَوماً)، فليس المراد في الاثنين عشر ليال بل عشرة أيام، أو عشر ليال بأيامها، وغلب المؤنث على المذكر، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (بست من شوال)، ومثله ما حكاه الكسائي: (صمنا من الشهر خمسا)، والصوم إنما يكون في الأيام دون الليالي.

وقال الزمخشري في قوله تعالى: (وَعشراً): وقيل: عشرا ذهاباً إلى الليالي والأيام داخلة معها، ولا تراهم قد يستعملون التذكير فيه ذابين إلى الأيام تقول: صمت عشرا، ولو ذكرت خرجت من كلامهم.

وهذا الذي قاله الزمخشري يوافقه ما قاله سيبويه؛ فإنه قال: (وتقول: سار خمس عشرة من بين يوم وليلة؛ لأنك ألقيت الاسم على الليالي ثم بينت فقلت: من بين يوم وليلة، ألا ترى أنك تقول: لخمس بقين أو خلون، ويعلم المخاطب أن الأيام قد دخلت في الليالي، فإذا ألقي الاسم على الليالي اكتفي بذلك عن ذكر الأيام، كما تقول: أتيته ضحوة وبكرة، فيعلم المخاطب أنه ضحوة يومك وبكرة يومك، واشابه هذا في الكلام كثير، فإنما قوله: من بين يوم وليلة، توكيد؛ لأنه قد علم أن الأيام فاضلة على الليالي. وقال النابغة الجعدي:

فَطافَت ثَلاثاً بَينَ يَومٍ وَلَيلَة ... تَكونُ النَكيرانَ بِصيفِ وَتُجأَرا

قال ابن قتيبة: (يريد ثلاث أيام وثلاث ليال).

ثم قال سيبويه: (وقد يجوز في القياس خمسة عشر من بين يوم وليلة، وليس يحد كلام العرب).

هذا كلام سيبويه، وإنما قلت: إنه يوافق كلام الزمخشري؛ لأن من ثلاث عشرة إلى تسع عشرة مثل من الثلاث إلى العشر في حذف التاء من عدد المؤنث وإثباتها في عدد المذكر، وحذف المعدود من أحدهما كحذفه من الآخر، والمراد من الحذف أن لا يضاف إليه لفظا، وهو حاصل في مثال سيبويه، وقد نص على حذف التاء وقال: إن إثباتها قد يجوز في القياس، وليس يحد كلام العرب. فخرج من كلامه وجهان: الفصيح حذف التاء، وهو الذي قاله الزمخشري، وغير الفصيح إثباتها، وهو الذي قال الزمخشري: إنه خارج من كلامهم - أي المسموع - وهو موافق لكلام سيبويه أيضا.

وقال النووي في قوله صلى الله عليه وسلم: (بست من شوال): إنما حذفت الهاء من ستة؛ لأن العرب إنما تلتزم الإتيان بالهاء في المذكر الذي هو دون أحد عشر إذا صرحت بلفظ المذكر، كقوله الله تعالى: (وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ)، فأما إذا لم يأتوا بلفظ المذكر فيجوز إثبات الهاء وحذفها، فتقول: صمنا ستا، ولبثنا عشرا، وتريد الأيام، ونقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب، ولا يتوقف فيه إلا جاهل غبي.

والظاهر أن مراده بما نقله الفراء وابن السكيت وغيرهما عن العرب - الحذف، كما حكاه الكسائي، وأما التصريح بالوجهين عن العرب فمخالف لكلام سيبويه والزمخشري، فينبغي أن يتوقف فيه؛ إذ ليس في كلامه تصريح بنقله، نعم: جواز الوجهين قد ثبت من كلام سيبويه كما سبق وإن كان أحدهما لي سيحد كلام العرب.

وطعن بعضهم في حكاية الكسائي، ولا يلتفت إلى هذا الطعن مع صحة الحديث بمثله، ومعاضدة الفراء وابن السكيت وغيرهما للكسائي، وكل منهم إمام، وتوجيهها: أنه لما ثبت جواز: سرت خمسا، وأنت تريد الأيام والليالي جميعا، كما سبق من كلام سيبويه، وكما دلت عليه الآية الكريمة، وما ذاك إلا لتغليب الليالي على الأيام، وجعل الأيام تابعة لليالي، أجري عليها هذا الحكم عند إرادة الأيام وحدها، كقولك: سرت خمسا، وأنت تريد الأيام. أو: صمت خمسا؛ إذ لا يمكن إرادة الليالي في الصوم، وصار اليوم كأنه مندرج تحت اسم الليلة وجزء منها فيدل عليه باسمها، سواء أريدت حقيقة ذلك الاسم من الليلة واليوم تابع لها، أم لم ترد واقتصر على إرادة ما يتبعها وهو اليوم.

ونقل أبو حيان أنه يقال: صمت خمسة، وأنه فصيح. وهذا إن صح لا يعارض قول سيبويه والزمخشري؛ لأنهما إنما قالا فيما يمكن إرادة الليالي والأيام جميعا، ولا شك أنه عند إراتهما تغلب الليالي فيضعف التذكير، وأما عند إرادة المذكر فقط فالتذكير وإثبات الهاء هو الأصل، والحذف ورد في الحديث وحكاه الكسائي، فالوجهان فيه فصيحان بخلاف القسم الأول؛ فإن الحذف فيه أفصح، هذا إن ثبت: صمنا خمسة، كما ادعاه أبو حيان، ولعله أخذه من ابن عصفور، فإن ثبت ذلك صريحا من كلام غيره وإلا فليتوقف فيه.

وقال شيخنا ابو محمد الدمياطي: سقوط الهاء في (ست من شوال) مع سقوط المعدود، أو ثبوت الهاء في (ستة) مع ثبوت الأيام هو المحفوظ الفصيح، وورد في بعض الطرق المتقدمة للدراوردي وحفص بن غياث ثبوت الهاء في : (ستة من شوال) مع سقوط الأيام، وهو غريب غير صحيح ولا فصيح. انتهى ما قاله، وذكر ذلك في فضل إتباع رمضان بست من شوال، وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها، فرواه من نيف وستين طريقا ليس فيها ثبوت التاء مع سقوط المعدود إلا من الطريقين اللذين ذكرهما، وهو غلط من بعض الرواة الذين لا يتقنون لفظ الحديث.

وذكر الواحدي وغيره من المفسرين أن سقوط التاء من قوله تعالى: (يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَربَعَةَ أَشهُرٍ وَعَشراً)، لتغليب الليالي على الأيام. انتهى.

هذا كله في الأيام والليالي، أما إذا كان المعدود مذكرا أو مؤنثا غيرها فلا وجه إلا مطابقة القاعدة الأصلية من إثبات التاء في المذكر وحذفها في المؤنث ذكرت المعدود أو حذفته، قال تعالى: (فَاستَشهِدُوا عَلَيهِنَّ أَربَعَةً مِنكُم)، وقال تعالى: (سَيَقولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُم كَلبُهُم وَيَقولُونَ خَمسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجماً بِالغَيب وَيَقولُونَ سَبعَةٌ وَثامِنُهُم كَلبُهُم)، وقال تعالى: (ما يَكونُ مِ، ثَلاثَةٍ إِلاّ رابِعُهُم وَلا خَمسَةٍ إِلاّ هوَ سادِسُهُم)، و قال تعالى: (عَليها تِسعَةَ عَشَر)، وقال تعالى: (وَكُنتُم أَزواجاً ثَلاثَة)، فالمعدود في هذه الآيات كلها مذكر، وقد حذف في الآية الأولى والثانية والثالثة والرابعة وأتي به موصوفا في الخامسة، وثبتت التاء في جميع ذلك، وكذلك قوله تعالى: (وَيَحمِلُ عَرشَ رَبِّكَ فَوقَهُم يَومَئِذٍ ثَمانِيَةٌ)، والقول بجواز حذف التاء في مثل ذلك يحتاج إلى نقل، ولا يكاد يقدر عليه. وأما قول ابن عصفور: (إن من الثلاثة إلى العشرة إذا استعملتها غير مضافة؛ إن أردت بها المعدود ولم ترد مجرد العدد ألحقت بها التاء، إن أوقعتها على المذكر، وإن أوقعتها على المؤنث لم تلحقها، ويجوز حذف التاء في الحالين، حكى الكسائي: صمنا من الشهر خمسا. والأول أفصح.

فقوله: يجوز حذف التاء في الحالين. فيه إطلاق لو أخذ به شمل الأيام وغيرها، واستشهاده بحكاية الكسائي يقتضي تقييد ذلك الإطلاق، فإن تمسك أحد بذلك الإطلاق وقال: يجوز حذف التاء في الحالين. فيه إطلاق لو أخذ به شمل الأيام وغيرها، واستشهاده بحكاية الكسائي يقتضي تقييد ذلك الإطلاق، فإن تمسك أحد بذلك الإطلاق وقال: يجوز حذف التاء من قولك: رأيت ثلاثا، وأنت تريد رجالا، (طولب) بنقل صريح من العرب، ولا أظنه يجده وما ذكرناه من الآيات يرد عليه إلا أن يدعي أن الآيات جاءت على الأفصح.

وبالجملة تلخص أن في غير الأيام نثبت التاء في المذكر حذفت المعدود أو أثبته، والقول بحذف التاء فيه إذا حذف المعدود لم يتحققه من العرب، ولا صرح به أحد من العلماء غير إطلاق ابن عصفور، وليس بصريح تبنى عليه قاعدة.

وقال الجوهري في باب (الثوب): (قولهم: الثوب سبع في ثمان، كان حقه أن يقال: في ثمانية؛ لأن الطول يذرع بالذراع وهي مؤنثة، والعرض يشبر بالشبر وهو مذكر، وإنما أنثه لما لم يأت بذكر الأشبار، وهذا كقولهم: صمنا من الشهر خمسا، وإنما يراد بالصوم الأيام دون الليالي، ولو ذكرت الأيام لم تجد بدا من التذكير). انتهى.

وهذا قد يؤخذ منه موافقة ابن عصفور، لكني أقول: التأنيث في ثمان يحتمل أن يكون لأجل ازدواجها مع سبع، كما قيل: الغدايا والعشايا، ونحو ذلك، وتعليل الجوهري بحذف المعدود ينبغي أن يجعل مع هذا المعنى علة وبمجموعهما يحسن التأنيث، وأما بمفرده فيتنازع فيه.

واعلم أن الجوهري وغيره من المصنفين في اللغة إذا نقلوا نقلا أخذناه مسلما مقبولا، وإذا تصرفوا وعللوا نظرنا في كلامهم كغيرهم من المصنفين في العلوم، والمقصود شاهد من لسان العرب على التأنيث إذا حذف المعدود في غير الأيام، ولم نجده في الأيام إذا أريدت الليالي معها وحذف المعدود حذفت التاء في الفصيح الذي جاء به، ولا يجوز خلاف ذلك إلا قياسا وليس بسماع، وإن أردت الأيام وحدها فيجوز الوجهان، والحديث وحكاية الكسائي وغيره يشهدان للحذف، فهذه ثلاث مراتب، ومن رام التسوية بين الأيام وغيرها وأخذ بكلام الزمخشري وأوجب حذف التاء إذا حذف المعدود المذكر غير الأيام رد عليه بالآيات التي ذكرناها، ومما يدل على الفرق بين الأيام وغيرها أن سيبويه مع تجويزه الأمرين في الأيام كما سبق قال: ويقال: أعطاه خمسة عشر من بين عبد وجارية لا يكون في هذا إلا هذا؛ لأن المتكلم لا يجوز له أن يقول: خمسة عشر عبدا، فيعلم أن ثم من الجواري بعدتهم، ولا خمس عشرة جارية، فيعلم أن ثم من العبيد بعدتهن، فلا يكون هذا إلا مختلطا يقع عليهم الاسم الذي بين به العدد. انتهى.

فقد نص في هذا الكلام على أنه لا بد من التاء في قوله: من بين عبد وجارية، مع قوله بالحذف في نظيرها لو قال: من بين يوم وليلة. وهذا نص في الفرق، وفرق من حيث المنى بأن الأيام تدخل في الليالي، وجنس العبيد والجواري لا يدخل أحدهما في الآخر، يعني فلا يكون المعدود مؤنثا حتى تحذف التاء.

وذكر ابن مالك هذا الذي قاله وزاد عليه بحكم ما لا يعقل فقال: (تقول: عندي خمسة عشر عبدا وجارية، وخمسة عشر جارية وعبدا، فتجعل الحكم للمذكر قدمته أو أخرتهن وكذا تفعل أبدا بكل مركب من عدد من يعقل إذا ميز بمذكر ومؤنث، متصلا كان المميز كما هو في المثال المذكور، أو منفصلا ببين، كقولك: عندي خمسة عشر بين رجل وامرأة، وخمسة عشر بني امرأة ورجل. وتقول: نحرت خمسة عشر جملا وناقة في خمسة عشر يوما وليلة، فيجعل الحكم لسابقهما مذكرا كان أو مؤنثا، وكذا تفعل أبدا بكل مركب من عدد ما لا يعقل إذا اتصل مميزه والمميز مذكر ومؤنث، وتقول: عندي ست عشرة بين ناقة وجمل، واشتريت ست عشرة بين كبش ونعجة. فيجعل الحكم لمؤنثهما قدمته أو أخرته إذا انفصل المميز، وكان مما لا يعقل، والمراد في الحالين: أن نصف العدد المذكور ذكور ونصفه إناثس، وهكذا أبدا في غير الليالي والأيام، وأما فيهن والعدد المذكور ذكور ونصفه إناث، وهكذا أبدا في غير الليالي والأيام، وأما فيهن والعدد المذكور لليالي والأيام مثله، فإذا قلت: كتبت لعشرين يوم وليلة، فالمراد عشر ليال وعشرة أيام، هذا كله معنى كلام سيبويه، وتقول: عندي عشرة أعبد وجوار، أو: عشر جوار وأعبد.

فيجعل الحكم عند الإضافة للسابق من المميز؛ مذكرا كان أو مؤنثا، عاقلا كان أو غير عاقل، ولا يكون مميز هذا النوع أقل من ستة؛ لأنهما إذا كانا أقل من ستة كان أحدهما أقل من ثلاثة، والخمسة وأخواتها لا تضاف إلى أقل من ثلاثة، ولا فرق في ذلك بين أن يتصل المضاف غليه بالمضاف أو ينفصل بعاطف). انتهى كلام ابن مالك.

فقد حكم في العدد بشيئين؛ لمذكرهما مطلقا إن وجد العقل، وإلا فلسابقهما بشرط الاتصال، ولمؤنثهما إن فصلا ببين وعدم العقل، ولسابقهما في الإضافة مطلقا، فأما حكمه لمذكرهما مطلقا إن وجد العقل فهو موافق لما قلناه ومقتض؛ لأنه إذا قيل: رأيت ثلاثا من العقلاء، كانوا نسوة لا رجالا، وحكمه في غير العاقل لسابقهما بشرط الاتصال صحيح، وحكمه لمؤنثهما إن فصلا ببين وعدم العقل موافق لما قاله سيبويه في الأيام وزائد عليه بحكم غير العاقل في غير الأيام، وحكمه لسابقهما في الإضافة مطلقا يعني به: عشر أعبد وجوار، وعشر جوار وأعبد.

وقوله فيما قبل ذلك: (إنه كله معنى كلام سيبويه) رأيت بعضه فيه وبعضه لم أره، فلعله أخذه من مكان آخر من كلامه.

وقوله: (إن المراد في الأيام والليالي والأيام مثله) صحيح موافق لكلام سيبويه، وأنه إذا قال: خمس عشرة بين يوم وليلة فالمراد: خمسة عشر يوما وخمس عشرة ليلة، وليس المراد أن الخمسة عشر بعضها ليال وبعضها أيام، بل المراد ما قلناه، وكأن المقصود: خمس عشرة مدة، كل مدة يوم وليلة، وهذا مدلول الكلام.

واعلم أنه لولا نص سيبويه على ذلك لكان يمكن القول بأنه يحتمل أن يكون بعضها أياما وبعضها ليالي.

وقوله: أعني ابن مالك - : (إن المراد في غير الأيام والليالي أن نصف العدد ذكور ونصفه إناث) فيرد عليه قول سيبويه: خمسة عشر بين عبد وجارية ولا يمكن فيها التنصيف فلو قال: إن بعض العدد ذكور وبعضه إناث استقام، ويكون المراد بالبعض النصف أو دونه أو فوقه، سواء كان مجموع العدد يقبل التنصيف أم لا، ولا دلالة على التنصيف من هذا اللفظ.

وقوله: (ولا يكون مميز هذا النوع أقل من ستة) صحيح في المثال الذي ذكره، وهو أن يكون المميز جمعا، فإذا قلت: ستة أعبد وجوار، اقتضى أن كلا من العددين جمع، وأقل الجمع ثلاثة، فالمجموع ستا، فلو قلت: خمسة أعبد وجوار، لم يصح، لأنه يقتضي حمل أحد الجمعين على اثنين، وهكذا إذا لم تأت به مضافا وفصلته ببين مجموعا، كقولك: ستة بين أعبد وجوار، فلو فصلته ببين وأتيت به مفردا، كقولك: أعطيته ستة بين عبد وجارية جاز، واطرد في الخمسة وما دونها، فإنك إذا قلت: أعطيته ثلاثا بين عبد وجارية كان المراد ثلاثا بعضها من جنس العبيد وبعضها من جنس الجواري، والجنس لا يشترط فيه الجمع.

وقوله: (فطافت ثلاثا بين يوم وليلة)ن لولا ما سبق أن الأيام تكون مثل الليالي في استيفاء العدد لكنا نقول: بعض الثلاث يوم وبعضها ليلتان، أو العكس، وفي غير الأيام والليالي لم يجب ذلك، فهو محتمل.

وقد أطلنا في استيفاء الكلام على كلام ابن مالك فلنرجع إلى غرضنا ونقول: إنه متى كان المعدود مذكرا وحذف؛ فإن كان من الأيام حذفت التاء فصيحا، وإن كان من غير الأيام وهو عاقل فلا تحذف التاء أصلا، فإن قلت: ما ذكرته من كلام سيبويه وغيره في خمسة عشر ونحوها خارج عن محل النزاع؛ لأنا إنما نتكلم عن الثلاث إلى العشر، والزائد من إحدى عشرة فما فوقه لم نتكلم فيه.

قلت: حكم الثلاث إلى العشر مطرد في ثلاث عشرة إلى تسع عشرة من غير فوق، قال سيبويه بعد ان بين حكم الثلاث إلى العشر: (فإذا زاد العدد واحدا على اثني عشر فإن الحرف الأول لا يتغير بناؤه عن حاله وبنائه، حيث لم يجاوز العدد ثلاثة والآخر بمنزلته حيث كان بعد أحد واثنين، وذلك قولك: له ثلاثة عشر عبدا، وكذلك ما بين هذا العدد إلى تسعة عشر، وإذا زاد العدد واحدا فوق ثنتي عشرة فالحروف الأولى بمنزلته حيث لم يجاوز العدة ثلاثا، والآخر بمنزلته حيث كان بعد إحدى وثنتين، وذلك قولك: ثلاث عشرة جارية). ومما يدل لما قلناه من الإتيان بالتاء إذا حذف المعدود المذكر أن سيبويه قال: ونقول: هذا خامس أربعة. وقال: خامس خمسة. إذا كن أربع نسوة فيهن رجل، وخامس أربع إذا أردت أنه صير أربع نسوة خمسة. انتهى.

ومن كلامهم أيضا: خمسة من الخمسين، وثلاثة من الكلاب، وقالوا في ثلاثة من البقر ونحوها وجهان؛ لأن فيه التذكير والتأنيث فيقال على لغة التذكير: ثلاثة من البقر، وعلى لغة التأنيث: ثلاث. وهذا من كلامهم نص في حكم أن التذكير والتأنيث مراعا وإن لم تضف العدد إلى المعدود، وبه ظهر أن الصواب ما ورد في الحديث من إثبات التاء في ثلاثة، وأنه لا يجوز حذفها غلا على ما أطلقه ابن عصفور، فإن صح ذلك الإطلاق فيكون الحديث فيه لغة ضعيفة لم يرد الحديث بها.

وقد تبين بهذا أن إطلاق من أطلق أنه متى حذف المعدود تحذف التاء ليس بصحيح، ومن كلام ابن مالك في شرح الكافية: تثبت تاء ثلاثة فما فوقها إلى عشرة إن كان واحد المعدود مذكرا، وتسقط إن كان مؤنثا، نحو: عندي من العبيد ثلاثة، ومن الإماء ثلاث. فنظر كيف مثل ما يجب التاء بقوله: عندي من العبيد ثلاثة، وهو عدد لم يضف إلى معدود.

وذكر أبو البقاء العكبري في (إعراب الحديث) له في حديث أنس رضي الله عنه: (يتبع الميت ثلاث؛ أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد). قال: الوجه أن يقال: ثلاثة؛ لأنها مذكرات والأشبه أنه من تغيير الرواة، ويحتمل أن يكون الوجه فيه ثلاث علق والواحدة علقة؛ لأن كلا من هذه المذكورات علقة، ثم إنه ذكر بعد ذلك حملا على اللفظ بعد أن حمل الأول على المعنى. انتهى كلامه.

فقد تحرر أن هذه الأقسام أربعة:

أحدها: أن يكون المعدود مذكرا عاقلا، فلم يسمع فيه عند عدم الإضافة إليه ثبوت التاء كحاله عند الإضافة، وما اقتضاه كلام ابن عصفور من ثبوت لغة فيه بحذف التاء عند عدم الإضافة بعيد، وهو لم يصرح به، ولا يجوز إثباته إلا بنقل صريح، واستعمال القرآن بخلافه. الثاني: أن يكون المعدود أياما ولياليها جميعاً، فها هنا المسموع حذف التاء عند حذف المعدود كحاله عند الإضافة إلى الليالي والأيام تابعة، ويجوز على ما قاله سيبويه في خمسة عشر إثبات التاء.

الثالث: أن يكون المعدود الأيام مجردة عن الليالي، فيجوز حذف التاء فصيحا كما حكاه الكسائي، وصح به الحديث في ست من شوال، والظاهر أنه يجوز إثبات التاء أيضا، وبه صرح أبو حيان وقال: إنه فصيح. وكنت أشتهي لو نقله عن أحد أو أتى فيه بشاهد من لسان العرب، ولكنه أرسله، والظاهر أنه يتبع فيه ابن عصفور، كما نبهت عليه من قبل، وهو وإن كان القياس يحتاج إلى سماع من العرب، وقد يستشهد له بقوله تعالى: (وَسَبعَةٍ إِذا رَجَعتُم تِلكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ).. فأثبت الهاء في هذين الموضعين، والمعدود الأيام وهي محذوفة، ولا يقال: إن تقدمها في الآية كذكرها مع العدد؛ لأن الأمثلة التي نذكرها وذكرناها من كلام سيبويه وغيره تقتضي أن المراد بالذكر إضافة العدد إليه، نعم! لا شك أن تقدم ذكر الأيام أوجب حسن إثبات التاء في الآية بخلاف ما لو لم يذكر بالكلية وهو المحل الذي نقله أبو حيان.

الرابع: أن يكون المعدود مذكرا غير عاقل من غير الأيام، فإن لم يعطف عليه مؤنث ولا عطف على مؤنث فحكمه حكم العاقل، فتدخل التاء، قال تعالى: (فَخُذ أَربَعَةً مِنَ الطّيرِ)، وإن عطف على غيره أو عطف غيره عليه، كقولك: عندي ست عشرة بين ناقة وجمل أو بين جمل وناقة. قال ابن مالك: فيجعل الحكم لمؤنثهما قدمته أو أخرته إذا انفصل المميز وكان مما لا يعقل. وهذا الحكم فيه نظر؛ لم غلب المؤنث ها هنا؟ ولعله بالقياس على الأيام لاشتراكهما في عدم العقل، وقد غلبت الليالي وهي مؤنثة على الأيام فكذلك هذا، ولنا أن نقول: الليالي إنما غلبت على الأيام لسبقها في التاريخ فأطلق على اليوم بليلته ليلة، ولا كذلك هنا، فليتوقف فيه أيضا.

وهذا البحث مما ينظر فيه وهو خارج عن غرضنا، وإنما ساق إليه التقسيم، وبعد أن كتبت ما كتبت في ذلك وقفت على كلام أبي يوسف يعقوب بن السكيت - رحمه الله - في ذلك فوجدته شاهدا لما قلته، فإنه قال: ونقول: صمنا خمسا من الشهر، فيغلبون الليالي على الأيام إذا لم يذكروا الأيام، وإنما يقع الصيام على الأيام؛ لأن ليلة كل يوم قبله؛ فإذا أظهروا الأيام قالوا: صمنا خمسة أيام، وكذلك: أقمنا عنده عشرا وعشرة أيام، فإذا قالوا: أقمنا عنده عشرا بين يوم وليلة غلبوا التأنيث، وتقول: له خمس من الإبل وإن عينت أجمالا؛ لأن الإبل مؤنثة، وكذلك: له خمس من الغنم، وإن عينت أكبشا؛ لأن الغنم مؤنثة. انتهى ما قاله ابن السكيت.

وهو نص فيما قلته، ألا تراه كيف قال: فيغلبون الليالي على الأيام إذا لم يذكروا الأيام فدل على أن ذلك هو المستند في حذف التاء، وهذا المستند ليس في الرجال ونحوهم من المذكرين، وابن السكيت أحد من وقع الاعتماد عليه في إطلاق هذا اللفظ محذوف التاء، فليكن يرجع إليه في تعليله ومعناه، وقد حمدت الله وشكرته لما وقعت على كلامه؛ إذ وفقني للصواب في هذه المسالة، وكنت مع كوني لم أقف على نقل مساعد أتعجب ممن يخالف في ذلك ويأخذ بإطلاق من أطلق، وممن تعجبت منه في ذلك شيخنا أبو حيان، بلغني عنه أنه قال: لا فرق بين الأيام وغيرها. فلما رأيت كلام ابن السكيت سررت بموافقته والحمدلله على ذلك؛ إذ أهلني للوقوع على الصواب.

الوجه الثاني

قوله: حتى يبلغ، وحتى يستيقظ، وحتى يفيق. وهذه غايات مستقبلة، والفعل المغيا بها وهو قوله: (رفع) ماض، والماضي لا يجوز أن يكون غايته مستقبلة، فلا تقول: سرت أمس حتى تطلع الشمس غداً؛ لأن مقتضى كون الفعل ماضياً كون أجزاء المعنى جميعا ماضية، والغاية طرف المعنى، ويستحيل أن يكون المستقبل ظرفا للماضي؛ لأن الآن فاصل بينهما، والغاية إما داخلة في المعنى فتكون ماضية أيضا، وإما خارجة عنه مجاورة له فيصح أن يكون الآن غاية للماضي، وإما أن تكون منفصلة حتى يكون المستقبل المنفصل عن الماضي غاية له - فمستحيل، فكيف قال: رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ؟! وهذا السؤال لم يبلغني عن أحد، ولكني أنا الذي حركته.

وجوابه - على ما ظهر لي - بالتزام حذف أو مجاز حتى يصح الكلام، ويتبين أن الغاية ليست للفعل الماضي أو ليست مستقبلة، فيحتمل أن يقدر: رفع القلم عن الصبي فلا يزال مرتفعا حتى يبلغ، أو: فهو مرتفع حتى يبلغ، فيبقى الفعل الماضي على حقيقته، والمغيا محذوف، وبه ينتظم الكلام.

ودل على هذا وحسنه أن الرفع فعل له أثر يستمر، فالغاية لأثره لا له، كما تقول: أجرتك داري إلى شهر. فالمغيا ليس هو الإيجار الماضي أو الحاضر، وإنما المغيا أثره، وحدف لفهم المغيا بحيث لو ذكر لكان ركيكا للاستغناء عنه بسببه.

ويحتمل أن يكون معنى: (رفع القلم) حكم برفعه، وتكون الغاية للرفع المحكوم به لا للحكم الذي هو ماض، ولكن في هذا قلق، والأقرب أنه لا يصح من جهة أنك إذا عبرت برفع عن حكم بالرفع فالمصدر الذي فيه من حيث المعنى هو الحكم لا الرفع، فلا يصح أن يكون هو المغيا، وإنما المغيا الرفع المحكوم به والفعل لم يتضمنه فيحتاج إلى تقديره فيعود إلى الوجه الأول.

ويحتمل أن يقال: إن الغاية للمصدر الذي دل عليه الفعل الماضي كقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، عند من لا يقدر فيه: أن تسمع، أو أن الفعل جرد عن دلالاته عن الزمان فلم يبق إلا المصدر فيصح الغاية المستقبلة. ويحتمل أن يقال ذلك في الغاية، وهو قوله: (حتى يبلغ)، والمعنى: حتى بلوغه لأن هذا إخبار عن حكم شرعي حكم الله في الأزل، وأنه رفع القلم عن كل من ثبت له الصبا في وقت ما حتى بلوغه، فيشمل ذلك من كان صبيا وبلغ في الماضي، ومن هو صبي الآن ويبلغ في المستقبل، ومن يصير صبيا ويبلغ بعد ذلك.

وهذه الاحتمالات كلها في التقدير إما في التجوز في الفعل الثاني أو الفعل الأول، أو الحذف - راجعة إلى معنى واحد وهو الحكم برفع القلم إلى الغاية المذكورة.

وقد تقدم من حيث ابن ماجه الذي من مسند علي: (يرفع) بصيغة الفعل المضارع فلا يرد السؤال على هذه الراوية، وإنما تكلمنا على الروايات المشهورة.

فإن قلت: ما ذكرته جميعه مبني على أن الفعل الماضي لا يجوز أن تكون غايته مستقبلة، وقد قال الله تعالى: (وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرّسولُ) قرىء بنصب (يَقولَ) بتقدير أن، وأن تخلص الفعل للاستقبال؟ قلت: ما أبعدك عما أردناه! نحن في المستقبل حقيقة من جهة المعنى، وذلك وإن قدر مستقبلا فهو ماض في الزمان، ألم تر إلى قول سيبويه في باب حتى: اعلم أن حتى تنصب على وجهين؛ أحدهما: أن يجعل الدخول غاية المشترك، وذلك قوله: سرت حتى أدخلها حتى قلت: سرت حتى أدخلها حتى قلت: سرت إلى أن أدخلها. فالناصب للفعل ها هنا هو الجار للاسم إذا كان غاية، فالفعل إذا كان غاية نصيب، والاسم إذا كان غاية جر، فهذا قول الخليل رحمه الله.

فأما الوجه الآخر: فأن يكون السير قد كان والدخول لم يكن، وذلك إذا جاءت مثل كي التي فيها إضمار أن وفي معناها، وذلك قولك: كلمته حتى يأمرني بشيء. انتهى.

فانظر كيف بيَّن ذلك سيبويه أنه متى كان الدخول لم يكن كانت مثل كي أي: للتعليل، وليس المراد في الحديث ذلك، وإنما المراد الغاية المجردة، وهذا واضح لا خفاء فيه، وإنما خفنا أن تلتبس على بعض المبتدئين، و(يَقولَ الرّسولُ) في الآية على قراءة الرفع والنصب جميعا مضى زمانه، والمعنى: حتى قال الرسول.

الوجه الثالث

على رواية ابن ماجه في قوله: (يرفع) وعلى الروايات المشهورة في قوله: (رفع) بعد اعتقاد أن المغيا هو المصدر

سؤال: وهو أن الرفع عبارة عن النقل من سفل إلى علو، وذلك يوجد في زمان واحد غير متطاول، وما لا يتطاول، وما لا يتطاول لا يكون مغيا بغاية؛ فإن الغاية لا بد أن يكون لها ابتداء وانتهاء، والمغيا لا بد أن يتكرر قبل الغاية، كقولك: سرت من البصرة إلى الكوفة، فالسير صادق في كل جزء بين ذلك. هكذا ذكر الشيخ أبو محمد ابن عبد السلام أنه لا بد من التكرر، وفي اشتراط التكرر نظر، وإنما الشرط أن يحصل المسمى فإنك تقول: تحرك الجوهر من حيز إلى حيز. واختلفوا: هل الحركة في الحيز الثاني أو الانتقال إليه؟ فإذا قلنا: إنها الحصول في الحيز الثاني لم يحصل التكرر قبله، بل ولا المسمى ما حصل قبله، وإنما حصل عنده، وعلى كل تقدير فمتى جعل الشيء غاية فلا بد أن المغيا يتصل به، والرفع لا يتصل بالبلوغ؛ لأنه حاصل في أول الصبا، وإنما يدوم أثره، وهو كون القلم غير موضوع، وعدم الوضع غير الرفع فالغاية إنما تصح لعدم الوضع لا لنفس الرفع.

والجواب: أن الرفع وإن كان هو النقل من سفل إلى علو فقد يطلق على تبقية المرفوع كذلك، كما أن القيام هو النهوض، وتقول: قمت يوما، بمعنى استمراره على الانتصاب الذي هو من أثر النهوض، فكذلك الرفع يطلق على شيل القلم من سفل إلى علو وعلى بقائه كذلك مرتفعا، فجاءت الغاية لهذا الارتفاع، وبقائه على تلك الصورة غير موضوع حتى يبلغ، وإنما تمتنع الغاية في الأفعال التي توجد وتنقطع بالكلية.

الوجه الرابع

إن الرفع قد يقال بأنه يقتضي سبق وضع ولم يكن القلم موضوعا على الصبي؟ وعن هذا أجوبة: أحدهما: أن الرفع لا يستدعي تقدم وضع، كما قال يوسف الصديق - على نبينا وعليه السلام - : (إِنّي تَركتُ مِلَّةَ قَومٍ لا يُؤمِنونَ بِاللَهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم كافِرون)، ومن المعلوم أن يوسف عليه السلام لم يكن على تلك الملة قط، وقال شعيب - على نبينا وعليه السلام - لما قاله له قومه: (لَنُخرِجَنَّكَ ياشُعَيبُ وَالَّذِينَ آمَنوا وَالَّذينَ آمنوا مَعَكَ مِن قَريَتِنا أَو لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا قالَ أَو لَو كُنّا كارِهينَ، قَدِ افتَرَينا عَلَى اللَهِ كَذِباً إِن عُدنا في مِلَّتِكُم بَعدَ إِذ نَجّانا اللَهُ مِنها وَما يَكونُ لَنا أَن نَّعودَ فيها إِلاَّ أَن يَشاءَ اللَهُ رَبُّنا وَسِعَ كُلَّ شيءٍ عِلماً)، ومن المعلوم أن شعيبا - عليه السلام - لم يكن في تلك الملة.

فإن قلت: أنت فسرت الرفع بأنه نقل من سفل إلى علو وذلك يستدعي تقدم وضع ضرورة؟ قلت: حقيقة اللفظ ذلك، ولكن قد يستعلم فيما هو بصدد أن يوضع فيسمى المنع من وضعه إقامة لما بالقوة مقام ما بالفعل، فكأنه كان موضوعا ورفع، وهذا وإن كان مجازا فهو مجاز شائع، وقرينة الحال ترشد إليه فلا محذور فيه.

الجواب الثاني: أن البيهقي قال: (إن الأحكام إنما نيطت بخمس عشرة سنة من عام الخندق، وقبل ذلك كانت تتعلق بالتمييز). وإذا ثبت هذا فيحتمل أن يكون المراد بهذا الحديث انقطاع ذلك الحكم وبيان أنه ارتفع التكليف عن الصبي وإن ميز حتى يبلغ، فيصح فيه أنه رفع بعد الوضع، وهو صحيح في النائم بلا إشكال باعتبار وضعه عليه قبل نومه، وفي المجنون قبل جنونه إذا سبق له حال تكليف، وإنما السؤال في الصبي إذ لا حالة تكليف له قبل ذلك، وقد ظهر جوابه بذلك.

الجواب الثالث: أن الوضع لو سلم إنما يلزم من الرفع الحقيقي، والرفع هنا كناية عن عدم التكليف فلا يلزم ذلك فيه، ووجه الكناية سيأتي.

الوجه الخامس

قوله: (رفع القلم)، هل هو حقيقة أو مجاز؟ وفيه احتمالات:

أحدهما: - وهو المنقول المشهور - أنه مجاز، لم يرد فيه حقيقة القلم ولا الرفع، وإنما هو كناية عن عدم التكليف، ووجه الكناية فيه: أن التكليف يلزم منه الكتابة؛ ولهذا يعبر بالكتابة عنه كقوله تعالى: (كُتِبِ عَلَيكُمُ الصِيامُ)، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات في اليوم والليلة كتبهن الله على عباده)، ويلزم من الكتابة القلم لأنه آلة لها، فالقلم لازم لازم التكليف، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء ملزومه وملزوم ملزومه؛ فكذلك كنّى بنفي القلم عن نفي الكتابة، وهي من أحسن الكنايات، وأتى بلفظ الرفع إشعارا بأن التكليف لازم لبني آدم إلا هؤلاء الثلاثة، وأن صفة الوضع أمر ثابت للقلم لا ينفك عن غير الثلاثة موضوعا عليه حتى يرفع، ولو قال: لم يوضع. أو: لم يكتب على ثلاثة. لم يكن فيه إشعار بذلك، وأنه في أصله متصف بالوضع والجريان على مخلوق من العالمين.

وهذه فائدة جليلة، فاستعمال الرفع في موضع عدم الوضع بطريق المجاز، واستعمال عدم وضع القلم في موضع عدم الكتابة بطريق المجاز، وعدم الكتابة مجاز في عدم التكليف، والوضع الذي أشعر به لفظ الرفع مجاز أيضا بالنسبة إلى هؤلاء الثلاثة إذ لم يتقدم في حقهم غلا بطريق القوة لا بطريق الفعل.

الاحتمال الثاني: أن يراد حقيقة القلم الذي ورد فيه الحديث: (أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فأفعال العباد كلها؛ حسنها وسيئها يجري به ذلك القلم ويكتبه حقيقة، وثواب الطاعات وعقاب السيئات يكتبه حقيقة، وقد خلق لذلك، وأمر بكتبه وصار موضوعا على اللوح المحفوظ ليكتب ذلك فيه جاريا به إلى أن تقوم الساعة، وقد كتب 1لك وفرغ منه وحفظ، وفعل الصبي والمجنون والنائم لا إثم فيه فلا يكتب القلم إثمه ولا التكليف به، فحكم الله بأن القلم لا يكتب ذلك من بين سائر الأشياء رفع للقلم الموضوع للكتابة، والرفع فعل الله تعالى، فالرفع في نفسه حقيقة، والقلم حقيقة، والمجاز في شيء واحد وهو أن القلم لم يكن موضوعا على هؤلاء الثلاثة إلا بالقوة والتهيؤ لأن يكتب ما يصدر منهم فسمى منعه من ذلك رفعا، فمن هذا الوجه يشارك هذا الاحتمال الاحتمال الأول، وفيما قبله يفارقه.

الوجه السادس

اختلف الفقهاء والأصوليون في مفهوم العدد: هل هو حجة أو لا؟ والمختار عند المتأخرين من الأصوليين أنه ليس بحجة، وظني اختيار الشافعي أنه حجة، فمن قال بأنه حجة يتمسك بهذا الحديث على أن التكليف لا يرتفع عن غير الثلاثة، ويقويه ما قدمناه من إشعار لفظ الرفع به، وإذا ثبت ذلك فنقول: هنا شيئان: أحدهما: الشيخ الكبير، ورد فيه حديث موضوع يقتضي ارتفاع التكليف عنه، وهو كذب باطل لا أصل له، ولا يرتفع التكليف عنه ما دام عقله ثابتا، ومما يدل لتكليفه هذا الحديث من جهتين: (إحداهما) ما أشرنا غليه من مفهوم العدد. (والثانية) مفهوم قوله: (حتى يبلغ) اقتضى التكليف على البالغ، ولم يفرق بين الشيخ وغيره، على أن الإجماع على تكليفه فلا حاجة إلى التطويل فيه، والحديث الوارد فيه باطل.

الثاني: الميت في الفترة، قد يتمسك بالحديث على تكليفه؛ لأنه ليس من الثلاثة، ومذهب أهل السنة أنه لا تكليف قبل البعثة. والجواب عن الحديث: أن مورده بعد البعثة وحصول التكليف، لا يشمل ما قبل ذلك، ومن هنا يستنبط جواب آخر في قوله: (رفع) وهو أن بالبعثة وقيام المعجزة وتقرر شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ثبت التكليف وجرى القلم على العالمين الذين أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وخص من ذلك ثلاثة أحوال وهي: الصبا والجنون والنوم، فلا تكليف فيها؛ فكان ذلك رفعا مما اقتضته الدعوة.

الوجه السابع

قدمنا أن قوله: (ثلاثة) يقتضي المذكرين العاقلين، ونعني به أن يقدر المعدود المحذوف مذكر اللفظ، فنقدر: ثلاثة أشخاص من العالمين حتى يشمل المذكر والمؤنث؛ لأنه لا فرق في هذا الحكم بين الصبي والصبية، والمجنون والمجنونة، والنائم والنائمة، فإذا قدرته شخصا شمل المذكر والمؤنث، والشخص مذكر اللفظ، وكذلك إذا قدرت: ثلاثة أنفس، عند من يجعل النفس مذكرا بمعنى الإنسان، وهو الذي نقله سيبويه عن العرب في باب المؤنث الذي يقع على المؤنث والمذكر، ولك أن تقدر: ثلاثة أناس، والأحسن تقدير الأنفس أو الأشخاص ليشمل الجن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الإنس والجن، فإن كانت هذه الصفات فيهم فتجري أحكامها عليهم.

الوجه الثامن

عد الأصوليون: الغاية من جملة المخصصات وذلك فيما إذا تقدمها عموم يشملها لو لم يؤت بها، كقوله تعالى: (حَتّى يُعطوا الجِزيَةَ)، فلو لم يقله لقاتلنا المشركين أعطوا الجزية أو لم يعطوها، وفي هذا الحديث لا يأتي ذلك؛ لأن حالة البلوغ خارجة عن الصبا، وحالة الإفاقة خارجة عن حالة الجنون، والاستيقاظ خارج عن النوم، فلو قال: عن الصبي والمجنون والنائم، ولم يذكر الغايات المذكورة لم يشملها.

فنقول: الغاية في مثل هذا يقصد بها شيئان: أحدهما: تأكيد العموم فيما قبلها واستغراقه حتى لا يبقى جزء قبل الغاية غلا دخل فيه، وهذا المعنى مقصود ها هنا؛ فإن عدم التكليف في جميع أزمنة الصبا لا يستثنى منها شيء؛ بل هو مستغرق بجميعها من أولها إلى آخرها، وآخرها الذي يستعقب البلوغ داخل فيها، وهكذا جميع أزمنة الجنون والنوم، فالمقصود بهذه الغاية من هذا الوجه تحقيق التعميم لا التخصيص، ومن هذا قوله تعالى: (سَلامٌ هِىَ حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ)، فطلوع الفجر وزمان طلوعه ليسا من الليل ولا يشملهما قوله: (سَلامٌ)، وإنما قصد به تحقيق أن جميع ليلة القدر سلام لا يخصص منها شيء قبل تلك الغاية.

الثاني: أن يقصد به ارتفاع ذلك الحكم عند الغاية؛ فإن اللفظ لو اقتصر على قوله: رفع القلم عن الصبي، شمل حالة الصبا ولم يتعرض لحالة البلوغ بإثبات التكليف فيها ولا ينفيه عنها، بل هو ساكت عن حكمها، فإذا قال: حتى يبلغ، وقد علم أن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها فُهم اثبات التكليف في حالة البلوغ، فقصد بالغاية المذكورة هذا الحكم أيضا، وهذا يقوله من يقول بالمفهوم، وهو وإن قيل به في نحو قوله: (حَتّى يُعطوا الجِزيَةَ) فهو أقوى من القول به هنا؛ لأن هناك لو لم يقل به لم يكن للغاية فائدة، وهنا فائدتها المقصود الأول، كما بيناه، فلم يكن دليل على الثاني، ألا ترى أن قوله: (سَلامٌ هِىَ حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ) يظهر من قوة اللفظ أنه إنما قصد به تعميم السلام لليلة القدر دون قصد ارتفاع السلام بطلوع فجرها؛ فإن ذلك لا غرض فيه.

الوجه التاسع

تكلم النحاة والأصوليون والفقهاء في أن انتهاء الغاية هل يدخل أو لا يدخل؟ ولا بد أن يستثنى من هذا الإطلاق شيئان: أحدهما: ما تقدم، وهي الغاية التي لو سكت عنها لم يدل اللفظ عليها، كالغايات المذكورة في الحديث، وكطلوع الفجر في قوله: (سَلامٌ هِىَ حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ)، وكقوله: (فاعتَزِلوا النِّساءَ في المَحيضِ وَلا تَقرَبُوهُنَّ حَتّى يَطهُرنَ)؛ فإن حالة الطهر لا يشملها اسم الحيض.

الثاني: ما يكون اللفظ الأول شاملا لها، مثل قولنا: قطعت أصابعه كلها من الخنصر إلى الإبهام، فإنه لو اقتصر على قوله: قطعت أصابعه كلها، لافاد الاستغراق فكان قوله: من الخنصر إلى الإبهام تأكيدا، وكذلك: قرأت القرآن من فاتحته إلى خاتمته، وهو في الحقيقة راجع إلى الأول؛ لأن المقصود فيهما تحقيق العموم واستغراقه لا تخصيصه، وإن افترقا في أن الذي جعل غاية في الثاني ظرف المغيا، وفي الأول ما بعده، ففي هذين الموضعين الغاية لا خلاف فيها؛ بل هي في الأول خارجة قطعا، وفي الثاني داخلة قطعا. وكذا: بعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه، فالغاية داخلة قطعا، وإنما الخلاف إذا قال: بعتك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة، هل يدخل الابتداء والانتهاء أو أحدهما أولا؟ ومحل القطع بدخول الغاية في قولنا: قطعت أصابعه كلها من الخنصر إلى الإبهام، فإن اللفظ الأول صريح في الدخول، فلو كان ظاهرا غير صريح كقولنا: ضربت القوم حتى زيدا، فالحكم كذلك ظاهر مع احتمال أن يكون انتهاء الضرب إليه ولم يضربه.

ومن مباحث الحنفية في الغاية في قوله صلى الله عليه وسلم: (اركع حتى تطمئن راكعا)، أنه لا يدل على الأمر بالطمأنينة، لأن الغاية لا تدخل في المغيا، تقول ها هنا: إنه متى رفع قبل الطمأنينة لم يوجدن الركوع المأمور به، وهو المغيا بالطمأنينة، نعم! يفيدنا هذا البحث في أن الطمأنينة هل هي مقصودة في نفسها أو هي مقصودة لتحقيق الركوع المأمور به بالصفة الخاصة؟ ويرجع أثر البحث إلى أن الركوع والطمأنينة فيه هل هما ركنان - كما قاله صاحب التنبيه - أو الركوع هو الركن والطمأنينة وصف فيه؟ وعلى كل تقدير هي فرض.

الوجه العاشر

اتفق الفقهاء على أن النائم والصبي والمجنون يتعلق بهم خطاب الوضع من ضمان المتلفات وأروش الجنايات ونحوها، فليسوا بمنزلة البهيمة التي لم يتعلق بها حكم ألبتة، ولا بمنزلة الآدميين قبل البعثة؛ فإن الحكم لم يتعلق بهم أيضا ألبتة على المختار في أنه لا حكم قبل الشرع، والمختار فيه الجزم بعدم الحكم لا التوقف، ولا ينافي ذلك كون الحكم قديما، ولا كون تعلقه أيضا قديما عند من يقول بأن التعلق قديم، وهو المختار، وإنما لم يقدح في ذلك؛ لأن المقصود هنا التعلق الذي يوجد أثره في المحكوم عليه، وذلك منتفٍ قبل البعثة قطعا، إذا عرفت هذا فانتفاؤه قبل البعثة عام في خطاب التكليف وخطاب الوضع جميعا، ولا يثبت شيء من الأحكام الشرعية، وحكمنا بذلك حكم عقلي لا شرعي، أما بعد البعثة فقد عرفت أن خطاب الوضع ثابت في حق الجميع، وخطاب الندب ثابت في حق الصبي على الصحيح من مذاهب العلماء، فإنه مأمور بالصلاة من جهة الشارع أمر ندب مثاب عليها، وكذلك يوجد في حقه خطاب الإباحة والكراهة حيث يوجد خطاب الندب، وهو ما إذا كان مميزا، وإنما ينتفي في حقه الوجوب والتحريم؛ لأن فيهما كلفة، وهل انتفاء ذلك في حقه لعدم الحكم كما قبل الشرع أو حكم من حكم الله تخفيفا عنه؟ لم أر من تكلم في ذلك، وللبحث فيه مجال.

ويترتب عليه البحث في مدلول قوله في الحديث: (رفع القلم)، فإن جعلنا الثابت في حقه عدم الحكم كما قبل الشرع كان معناه عدم الحكم واحتجنا إلى تكلف الجواب عن قول السائل: إنه لم يكن موضوعا، وعن حقيقة الرفع فإنها لم توجد، وإن جعلنا في حقه هو الحكم بعدم المؤاخذة حسن التعبير بقوله: (رفع القلم)؛ لأنه أمر متجدد بعد الشرع وكان قريبا من الحقيقة في معنى الرفع، وفي استدعائه الوضع؛ لأنه وضع على غيره وعليه في خطاب الوضع وغيره من الإباحة والندب، ورفع في الوجوب والتحريم خاصة، ويؤيد هذا أنه على هذا التقدير يكون قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم) إثباتا لحكم شرعي، وعلى تقدير أن يراد عدم التكليف الأصلي كما قبل البعثة يكون حكما عقليا، وحمل كلام الشارع على الشرعي أولى. هذا في الصبي المميز.

أما غير المميز والمجنون والنائم فتكليفهم يبنى على تكليف ما لا يطاق، ومذهب أهل السنة جوازه، وهو قبل البعثة منتف بالأدلة الدالة على عدم التكليف، فإنه عام فيما يطاق ففي غيره أولى، أما بعد البعثة وثبوت الأحكام في جميع المرسل إليهم احتمل أن يقال بدخول غير المميز في التكليف بناء على تكليف ما لا يطاق وتكليف العاقل، فرفعه بقوله: (رفع القلم عن ثلاثة).

وقد تبين لك بهذه المباحث أن هؤلاء الثلاثة ليسوا كمن قبل البعثة، وظهر موقع الحديث فيه وهو يحسن أن يكون جوابا عن قوله: (رفع) وتفسيرا له مع ما تقدم.

الوجه الحادي عشر

قال الجوهري: الصبي: الغلام. وقال أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله الأحداني في كتابه: (كفاية المحيط في اللغة) - وهي مما حفظته - : قال بعضهم: الولد ما دام في بطن أمه فهو جنين، فإذا ولدته سمي صبيا، فإذا فطم سمي غلاما إلى سبع سنين، ثم يصير يافعا إلى عشر حجج، ثم يصير حزور إلى خمس عشرة سنة. انتهى.

وما قاله من كون اسم الغلام من الفطام إلى سبع سنين هو الذي ذكره ابن عبد البر في التمهيد في حديث: (كل مولود يولد على الفطرة) عن أهل اللغة، والذي يجب القطع به أنه يسمى صبيا في هذه الأطوار إلى أن يحتلم في أثناء الطور الرابع بعد العشر، ومن الدليل على إطلاق الصبي على ما قبل الفطام ما جاء في الحديث: أتي النبي صلى الله ليه وسلم بصبي لم يأكل الطعام. ويطلق أيضا على ما بعد الفطام إلى العشر كما جاء في الحديث: (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر)، ويطلق أيضا على ما بعد العشر إلى البلوغ كقوله في هذا الحديث: (عن الصبي حتى يبلغ).

وأما الغلام فأصله لمن يخدم، فإطلاقه على ابن سبع ونحوه مما يقاربها موافق لهذا الأصل، وإن صح إطلاقه على الرضيع كما يقتضيه كلام الجوهري، فلعله من باب تسمية الشيء باسم ما يصير إليه، وقد جاء في رواية ابن ماجة التي قدمناها: (الصغير)، وهي مرادفة للصبي.

الوجه الثاني عشر

قوله: (حتى يبلغ)، هكذا في الرواية التي رواها أبو ظبيان عن علي، وقد قلنا: إنها منقطعة؛ لأنه لم يدركه، والرواية التي صرح فيها بابن عباس في بعضها من رواية ابن السرح: (حتى يحتلم)، وقد قلنا: إن رجالها رجال الصحيح، وهي من رواية ابن وهب عن جرير عن الأعمش، وكذا في رواية أبي الضحى عن علي، وفي رواية عثمان عن جرير عن الأعمش: (حتى يعقل)، وفي رواية عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى يكبر)، ولهذا البحث أثر يظهر فيما بعد.

الوجه الثالث عشر

لا شك أن يكبر ويعقل لا بيان فيهما فالتمسك برواية: (حتى يحتلم) أولى لبيانها، وايضا هي أصح سندا من حديث عائشة، وأما: (حتى يبلغ) ففيها الانقطاع كما قلناه، وفيها عدم البيان؛ لأنا لا ندري يبلغ ماذا؟ والأقرب إن صحت هذه اللفظة أن يكون المراد في قوله تعالى: (إِذا بَلَغوا النِّكاحَ) فيكون المراد: حتى يبلغ النكاح، ولا شك أن الاحتلام إنما يكون في ذلك السن، وقد يبلغ السن الذي يصلح أن ينكح فيه ولا يحتلم فتقتضي الآية الكريمة بلوغه، ولكن ذلك السن مختلف، فرب صبي قوي شديد الأسر كثير الفضلات تتوق نفسه إلى النكاح قبل خمس عشرة سنة، ورب صبي ضعيف جاف البدن لا تتوق نفسه وهو قريب العشرين، وقد يقال: إن البلوغ مطلق والاحتلام مقيد، فيحمل المطلق على المقيد، وهذا بحث جيد؛ لأن (يبلغ) فعل في سياق الإثبات لا عموم له فهو مطلق، وبيانه هنا أيضا بأن الرفع مغيا بالغايتين بمقتضى الحديثين، فإذا وجدت إحداهما ولم توجد الأخرى فانقطاع الرفع عمل بالمفهوم واستمراره عمل بالمنطوق فيتقدم، فإن كان السابق هو الاحتلام فلا شك أنه يحصل به البلوغ ويحصل الغايتان جميعا بخصوصه وعمومه، وإن كان السابق كبر السن فيعمل بالمنطوق إلى الاحتلام، وهذا ظاهر في سن خمس عشرة مما لم يدل دليل على أنه بلوغ، أما الخمس عشرة فسنتكلم عليها، فيثبت أن الاحتلام بلوغ قطعا وما سواه من السن قبل خمس عشرة ليس ببلوغ قطعا، وما عدا ذلك سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى.

الوجه الرابع عشر

هذا الذي قلناه من حمل المطلق على المقيد شرطه أن يثبت اللفظان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالعمل بالثابت دون غيره، وكذلك إذا صح سندهما وكان أحدهما أرجح فالعمل بالراجح؛ لأنه المحكوم بأنه الحديث، وإنما المطلق والمقيد إذا ثبت أنهما قالهما بأن يكون نطق بالحديث مرتين، وأما الطريقة الأخرى التي سلكناها من كون الرفع مغيا بالغايتين بمقتضى الحديثين إلى آخر التقرير فهي جارية مطلقا، سواء صح كلا اللفظين عنه صلى عليه وسلم أم أحدهما.

الوجه الخامس عشر

أجمع العلماء على أن الاحتلام يحصل به البلوغ في الرجل، ومن الدليل على ذلك قوله تعالى: (وَإذا بَلَغَ الأَطفالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَليَستئذِنوا)، وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (حتى يحتلم)، والآية أصرح؛ فإنها ناطقة بالأمر بعد الحلم، والحديث قد قدمنا مدلول الغاية وأن التكليف بعد الاحتلام، وإنما يؤخذ بدلال المفهوم وبما أشعر به الرفع من وضع القلم عن من سوى الثلاثة. ومن الدليل في ذلك أيضا عن علي رضي الله عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُتم بعد احتلام،ولا صمات يوم إلى الليل). رواه أبو داود.

والمراد بالاحتلام خروج المني سواء كان في اليقظة أم في المنام بحلم أو غير حلم، ولما كان في الغالب لا يحصل إلا في النوم بحلم أطلق عليه الحلم والاحتلام، ويكون الخروج بغير حلم مدلولا عليه باللفظ إن أطلقنا اللفظ على الأقسام الثلاثة لوجود المعنى في جميعها أو لا يكون مدلولا عليه، ولكن الحلم ثابت فيه إجماعا لمشاركته في المعنى لما دل اللفظ عليه، ولو وجد الاحتلام من غير خروج مني فلا حكم له.

والذي يتعلق بالحديث مما نحن فيه أن قوله: (حتى يحتلم) دليل البلوغ بذلك، وهو إجماع، وهو حقيقة في خروج المني بالاحتلام؛ ومجاز في خروجه بغير احتلام يقظة أو مناما، أو منقول فيما هو أعم من ذلك، ويخرج منه الاحتلام بغير خروج مني إن أطلقناه عليه منقولا عنه، أو لكونه فردا من أفراد الاحتلام.

وقد قالوا: إن وقت إمكان خروج المني باستكمال تسع سنين، ولا عبرة بما ينفصل قبل ذلك. وقيل: وقت الإمكان بمضي ستة أشهر من السنة العاشرة. وقيل: بتمام العاشرة. والحديث لا تعرض له لشيء من ذلك؛ بل بخروج المني متى اتفق، والقول بأن ما انفصل قبل تمام التاسعة لا عبرة به؛ إن كان على غير صفة المني فصحيح، وإن كان على صفة المنى - إن فرض ذلك - فكيف لا يعتبر به والاسم صادق عليه والحديث يشمله؟! وليس هذا كالدم إذا رأته المرأة قبل سن الحيض حيث نقول: إنه دم فساد؛ فإن الدم بسببه،ن وأما المني فلا يشتبه بغيره، ومقتضى الحديث أنه متى وجد وجد البلوغ، نعم! الظاهر أنه لا يوجد قبل هذا السن، وأما أنا نفرض وجوده ونقول: لا عبرة به. فليس بظاهر.

الوجه السادس عشر

اختلف أصحابنا في بلوغ النساء بالاحتلام، والصحيح أنه بلوغ في حقهن كالرجال، وفيه وجه أنه لا يوجب البلوغ فيهن؛ لأنه نادر فيهن ساقط العبرة، ويؤخذ من هذا الحديث ضعف هذا الوجه لعموم قوله: (الصبي)، وهو شامل للذكر والأنثى بما قررناه، وإطلاق قوله: (حتى يبلغ)، وتعلق المخالف بندرة الاحتلام فيهن - إن سلمت له الندرة - لا تنفعه؛ لا، الندرة لا توجب الخروج من اللفظ، وليس ذلك من مخصصات العموم، ولو سلم أن ذلك من المخصصات للعام فذلك إذا كانت الصورة نادرة فهن داخلات في العموم بلا إشكال، وقوله: (حتى يحتلم) غاية فيهن، وليس من شرط الغاية أن تكون غالبة ولا غير نادرة.

الوجه السابع عشر

اختلف العلماء في البلوغ بالسن؛ فعن مالك إنكاره مطلقا، وأن البلوغ إنما هو بالاحتلام، وعن أبي حنيفة: أن بلوغ الغلام بثمان عشرة سنة، وفي الجارية روايتان عنه: إحداهما كذلك، والثانية بسبع عشرة سنة، وقال الشافعي: إن البلوغ فيهما بخمس عشرة سنة، واختلف أصحابه في ضبطها؛ فالمذهب المشهور أن المعتبر تمام السنة الخامسة عشر، وفي وجه مشهور في طريق المراوزة زمانه بالطعن فيها، وفي وجه غريب: أنه بمضي ستة أشهر منها، ولا دلالة للحديث الذي نحن فيه على شيء من ذلك، ولكن استندوا فيه إلى حديثين: أحدهما: عن ابن عمر قال عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني. متفق عليه.

قال نافع: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز في خلافته فقال: إن هذا لحد بين الصغير والكبير. وقيل: إن عمر بن عبد العزيز أمر بذلك بعد، وكان يجعل من دون خمس عشرة في الذرية، وكتب إلى عماله: أن افرضوا لابن خمس عشرة، وما كان سوى ذلك فألحقوه بالعيال.

والمخالفون اعتذروا عن هذا الحديث بأن الإجازة في القتال حكمها منوط بإطاقته والقدرة عليه، وإنما أجازه النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر في الخمس عشرة؛ لأنه رآه مطيقا للقتال، ولم يكن مطيقا له قبله، لا لأنه أدار الحكم على البلوغ وعدمه.

ولعمري! إن هذا العذر يلوح ولكن يرده أن جماعة مع ابن عمر اتفق لهم ذلك وأسنانهم متساوية، وكان فيمن رد من يتشرف للقتال ويظهر من نفسه الجلادة والقوة، وذكر ابن عمر السن في المقامين دليل على أنه فهم أن ذلك منوط بالسن، ويعضد ذلك بفهم عمر بن عبد العزيز ومن وافقه، والأمر فيه محتمل، وأمر عمر بن عبد العزيز بجعل من دون خمس عشرة في الذرية ظاهر لما قدمناه من البحث في الوجه الثالث عشر، وكذلك ينسحب حكم عدم البلوغ على ما قبل تمامها بالبحث المذكور، لا ريبة فيه عندي، فلا بلوغ قبل استكمال خمس عشرة سنة بغير احتلام، وإنما النظر في البلوغ بتمامها، والإجازة في القتال لا تدل على البلوغ؛ لأن الصبي القادر على القتال يجوز له الحضور وإن لم يجب عليه.

وقد ذكر الرافعي في هذا الحديث زيادة، وهي قول ابن عمر في المرة الأول: ولم يرني بلغت، وفي الخندق رآني قد بلغت. وهذه الزيادة إن صحت كافية في الاستدلال مع إمكان أن يحملها الخصم على بلوغ القتال، ولكن الظاهر خلافه، وبعض هذه الزيادة رواة البيهقي، وهو قول ابن عمر عن يوم أحد: ولم يرني بلغت. رواه ابن جريج، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. وفي رواية جماعة، عن عبيد الله: فاستصغرني.

وأما الحديث الثاني: فرواه الدارقطنين على ما نقله إمام الحرمين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه، وأقيمت عليه الحدود). وهذا الحديث نص في المقصود، فإن الذي دلت عليه السير أن ابن عمر يوم الخندق كان في ست عشرة سنة ولكنه لم يحسب تلك الزيادة فقال: وأنا ابن خمس عشرة؛ لأنه كان أكملها وزاد عليها، فإجازة النبي صلى الله عليه وسلم له يحتلم أن يكون لقدرته على القتال مع صباه، ويحتمل أن يكون لاستكماله خمس عشرة، ويحتمل أن يكون لبلوغه قبل ذلك أو بعده، وأما هذا الحديث فنص في اعتبار كمال خمس عشرة سنة، وصريح في أنه يكتب ما له وما عليه وتقام عليه الحدود، وهذا معنى التكليف، فإن صح هذا الحديث فلا ريبة في هذا الحكم، وإلا فنقول: اعتبار أبي حنيفة أيضا لسبع عشرة أو لثمان عشرة لا دليل عليه، وبقاء الصبا إلى إلى الاحتلام أبدا لا صائر إليه، وربما لا يحتلم شخص، وقد دل القرآن على بلوغ النكاح، وهو السن الذي تتوق فيه النفس إلى الجماع ويقدر عليه، وهو مختلف باختلاف الاشخاص، والغالب وجوده في ابن خمس عشرة وما قاربها، وقد شهد له حديث ابن عمر والحديث الآخر، فهو أولى بالاعتبار وإقامته مظنته، فلذلك يختار موافقة الشافعي في الحكم بالبلوغ باستكمال خمس عشرة ظاهرا لا قطعا، أما إذا استكمل سبع عشرة أو ثمان عشرة فيحكم بالبلوغ باتفاق منا ومن الحنفية، ومخالفة مالك بعيدة؛ لأنه لا غاية بعدها، وحيث أطلقنا السنين فالمراد القمرية، وحيث حكمنا بالبلوغ بالسن بدون الاحتلام فذلك يقتضي تخصيص قوله: (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم) أو أنه استعمل الاحتلام في الأعم منه ومن بلوغ وقته.

الوجه الثامن عشر

اختلف العلماء في إنبات العانة: هل يقتضي الحكم بالبلوغ؟ فمن العلماء من أنكر ذلك، وهو أبو حنيفة رضي الله عنه، ومنهم من قال به في حق المسلمين والكفار، وهو أحد الوجهين لأصحابنا بناء على أنه بلوغ حقيقة كسائر أسباب البلوغ، أو أنه علامة يحتاج إليها عند الاشكال فيهما، وهو مذهب مالك، ومنهم من قال به في حق الكفار خاصة، وهو الصحيح عند أصحابنا بناء على أنه ليس ببلوغ، ولكنه دليل على البلوغ وأمارة؛ أنه يستعجل بالمعالجة، ولأن تواريخ المواليد في المسلمين يسهل الكشف عنها بخلاف الكفار، فإنه لا اعتماد على قولهم، فجعل علامة في حق الكافرخاصة، واحتجن من جعله دليلا في حق الكفار بحديث عطية القرظي قال: كنت من سبي قريظة فكانوا ينظرون من أبنت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت. قال: فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني في السبي. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وعن أبي سعيد الخدري: أن سعدا حكم في بني قريظة أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (حكمت بحكم الله). متفق عليه.

وعن عطية قال: كنت ممن حكم عليه سعد، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت ترك، فكنت ممن لم ينبت فتركت.

وهذه الاحاديث حجة قوية في الحكم بالبلوغ لذلك، وغاية ما فيه تخصيص قوله: (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم) إذا فرض الإنبات قبل الاحتلام، على أن القول بالتخصيص إنما يلزم من يقول: إنه بلوغ حقيقة، أما من يقوله أمارة على البلوغ فمعناه إنما نستدل به على أنه بلغ بالاحتلام أو بالسن فلا يلزم التخصيص، وسياق هذا يقتضي أن الشخص لو عرف من نفسه أنه لم يحتلم ولم يكمل خمس عشرة وقد أنبت أنه لا يحكم ببلوغ نفسه، وأن يستديم حكم الصبا، وإن كنا نحن نحكم ببلوغه، وهذا يقتضي القول بأنه أمارة، سواء قلنا به في حق الكفار أم في حقهم وحق المسلمين، وقد رأيت للشافعي رضي الله عنه ما يدل على ذلك، فإن ابن الحداد نقل في كتاب (الجزية) له: أنا لو تحققنا أن عمره دون خمس عشرة فلا أثر للإنبات، وعلى ذلك نص الشافعي؛ إذ قال: فإن قال: أنبت من أني تعالجت بشيء تعجل إنبات الشعر، لم يقبل ذلك منه إلا أن يقوم شاهدان مسلمان على ميلاده فيكون لم يستكمل خمس عشرة فندعه. انتهى. وهذا مقتضى جعله دليلا لا بلوغا، ومراد الشافعي: أنه لا يقبل في رفع الجزية عنه، أما إذا كان المشركين وأسرناه وأردنا قتله فادعى ذلك، وقلنا: إنه علامة. قال أبو عاصم العبادي: تسمع دعواه ويحلف، فإذا حلف ترك قتله. ولعل الفرق بين الذمي والمشرك حظر الدم وسهولة أمر الجزية، وهو يشعد أيضا لما قلته.

فإن قلت: ولو جعلناه علامة فلم لا يقال بأنه مظنة، والمظنة إذا وجدت لا يعتبر معها وجود الحكمة ولا يضر تخلفها، كالنوم لما كان مظنة للحدث كان موجبا للوضوء، ولو تحققنا عدم الحدث، إلا ما حكي عن أبي موسى الأشعري.

قلت: المظنة إنما تكون في أمر خفي مستتر فيقام وصف ظاهر منضبط مقامه فصير هو المعتبر، وأما الاحتلام والسن فأمران منضبطان لا يحتاجان إلى مظنة، وإنما الإنبات دليل ظاهر إذا لم يعلم خلافه، فإن علم اتبع، على أن المظنة إذا قطعنا بانتفاء الحكم عنها قيل: إنا لا نرتب الحكم عليها، وتحقيق ذلك محله أصول الفقه.

والأقرب أن الانبات علامة في حق المسلم والكافر كما هو مذهب مالك، ويدل له ما روي أنه رفع إلى عمر رضي الله عنه غلام من الأنصار شبب بامرأة في شعره فقال عمر رضي الله عنه: لو أنبت الشعر لحددتك. ولعل مراد عمر بالحد التعزير.

الوجه التاسع عشر

الحكمة في تعليق التكليف بخمسة عشر: أن عندها بلوغ النكاح وهيجان الشهوة والتوقان، ويتسع معها الشهوات في الأكل والتنشط ودواعي ذلك، ويدعوه ذلك إلى ارتكاب ما لا ينبغي، فلا يحجزه عن ذلك ويرد النفس عن جماعها في هذه البلية العظمة إلا رابطة التقوى وتشديد المواثيق عليه والوعيد، وكان مع ذلك قد كمل عقله واشتد أسره وقوته، فاقتضت الحكمة الإلهية توجه التكليف إليه لقوة الدواعي الشهوانية والصوارف العقلية، واحتمال القوة للعقوبات على المخالفة، وقد جعل الحكماء للإنسان أطوارا، كل طور سبع سنين، وأنه إذا تكمل الاسبوع الثني تقوى مادة الدماغ لاتساع المجاري وقوة الهضم، فيعتدل الدماغ ويوقى الفكر والذكر وتنفرق الأرنبة وتتسع الحنجرة فيغلظ الصوت لنقصان الرطوبة وقوة الحرارة وينبت الشعر لتولد الابخرة، ويحصل الإنزال بسبب الحرارة، وتمام الاسبوع الثاني هو في وسط الخامسة عشرة؛ لأن الحكماء يحسبون بالشمسية، والمتشروعون يعتبرون الهلالية، وتمام الخامسة عشر يتأخر عن ذلك أشهرا، فإما أن تكون الشريعة حكمت بتمامها لكونه أمرا مضبوطا، أو لأن هناك دقائق اطلع الشرع عليها، ولم يصل إليها الحكماء، اقتضت تمام السنة أو كما شاء تعالى، فسبحانه من حكيم قادر قاهر، تقصر عن حكمته عقول الحكماء، وقد اشتملت الروايات الثلاث التي ذكرناها في الحديث على المعاني الثلاثة التي ذكرنا أنها تحصل عند خمس عشرة وهي قوله: (حتى يكبر) و (حتى يعقل) و (وحتى يحتلم)، فالكبر إشارة إلى قوته وشدته واحتماله للتكاليف الشاقة والعقوبات على تركها. والعقل المراد به الفكر؛ فإنه وإن ميز قبل ذلك لم يكن فكره تاما وتمامه عند هذا السن، كما أشرنا إليه من كلام الحكماء، وبذلك يتأهل للمخاطبة وفهم كلام الشارع والوقوف مع الأوامر والنواهي. والاحتلام إشارة إلى انفتاح باب الشهوة العظيمة التي توقع في الورطات، وتجذب إلى الهوى في الدركات، وجاء التكليف كالحَكَمة في رأس البهيمة تمنعها من السقوط، فانظر هذه المحاسن بعين بصيرتك، وتأمل هذه اللطائف بصفو فكرتك، يمتلىء قلبك بنور الفهم للكتاب والسنة، وأسال الله أن يوزعك شكر هذه المنة، وقيل لو علمت الملوك ما نحن فيه لجالدتنا عليه بالسيوف، والله أعلم.

الوجه الموفي عشرين

لا شك أن الصبي إذا أنزل فقد بلغ وزال الصبا، والإنزال موجب للغسل فهو متقدم عليه بالذات وإن قارنه في الزمان. وقيل: إنه متقدم عليه في الزمان أيضا، وهذا الخلاف جار في كل علامة شرعية، ووجوب الغسل وغيره من التكاليف مشروط بالبلوغ، فالبلوغ متقدم على التكليف بالذات ايضا؛ لأنه شرطه، والشرط كالعلة في التقدم، فإذا كان الإنزال موجبا للبلوغ يكون البلوغ متأخرا عنه تأخر المعلول عن علته، ومتقدما على وجوب الغسل تقدم الشرط على مشروطه، فالبلوغ ووجوب الغسل معلولا علة واحدة فيجب اقترانهما، والبلوغ شرط لوجوب الغسل فيجب تقدمه، فيلزم أن يكون الشيء الواحد متقدما غير متقدم، وهو محال، وحل هذا بأن لا يجعل الإنزال موجبا للبلوغ، بل هو دليل عليه، ولست أعني بكونه دليلا كما نقول في الإنبات، وإنما أقول: إن البلوغ في الحقيقة المقتضي للتكليف هو بلوغ وقت النكاح، كما أرشد إليه تعالى بقوله: (إِذا بَلَغوا النِكاحَ)، والمراد: بلغوا وقته، وبلوغ وقت النكاح بالاشتداد والقوة والتوقان وما أشبه ذلك مما يتأهل به له، فهذا في الحقيقة هو البلوغ المشار إليه في الآية الكريمة، وضبطه الشارع بأنواع، أظهرها الإنزال، فإذا أنزل تحققنا حصول تلك الحالة؛ إما قبل الإنزال، وإما مقارنة له، لكنها قبله غير معتبرة لرفع القلم حتى يحتلم، فاعتبر الحالة المقارنة له، وهذا المعنى لا يستدعي بتقدم الإنزال على البلوغ لا بالذات ولا بالزمان؛ لأنه ليس فيه علة، ولكن علة في الحكم به وكاشفا عنه، وإذا عرف هذا فلا مانع من أن يكون وجوب الغسل الذي هو معلول الإنزال مشروطا بالبلوغ؛ إذ البلوغ حينئذ مقارن للإنزال لا متقدم عليه بالذات فلا استحالة.

الوجه الحادي والعشرون

إذا اعتبرنا البلوغ بخمس عشرة سنة فهو تحديد؛ لأن كل عدد نص الشارع عليه فهو تحديد، وإنما يختلف فيما ليس مقدرا من جهة الشارع، والمستند هنا إما حديث الدارقطني - إن صح - وهو نص في هذا العدد، فصار كحول الركوة، وإما حديث ابن عمر، نوقد جاء فيه لفظ: الخمسة عشر من لفظ ابن عمر، فيعتبر أيضا مع ما أشرنا إليه من قبل أنا حيث شككنا في البلوغ قبل الاحتلام بنفيه بدلالة قوله: (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم) فيستعمل هذا إذا بقي من الخمسة عشر أيام قليلة.

الوجه الثاني والعشرون

استدل بعض الفقهاء على عدم صحة بيع الصبي بقوله: (رفع القلم عن الصبي)، ووجه الدلالة: أن البيع لو صح لاستلزم المؤاخذة بالتسليم والمطالبة بالعهدة، والحديث دال على عدم المؤاخذة. ويقولون هكذا: لو صح منه البيع لكلف أحكام البيع، وهو لا يكلف شيئا ما، عملا بقوله: (رفع القلم عن ثلاثة). ولو صح هذا الاستدلال لنفع في بيع الاختبار، وهو الذي يختبر به رشد الصبي، وتعرفه قبل البلوغ، فإن فيه خلافا، والصحيح عدم صحته، لكن هذا الاستدلال فيه نظر؛ لأنه قد يقال بصحة البيع ولا يستلزم مؤاخذته، بل يؤمر وليه بالتسليم والعهدة، كما يؤدي عنه الزكوات وأروش الجنايات.

واعتذر بعض الفقهاء عن هذا الاعتراض: بأن إقامة الولي مقامه في ذلك للضرورة، ولا ضرورة تدعو إلى تصحيح بيعه وإقامة الولي مقامه في أحكامه، وفي وصية الصبي وتدبيره خلاف، وكذا قبول روايته. ولا متعلق في الحديث لشيء من ذلك.

الوجه الثالث والعشرون

في صحة إسلامه خلاف، وقد يحتج بالحديث على عدم صحته بمثل ما احتج به على عدم صحة البيع، لأنه لو صح إسلامه لكلف أحكامه، واللازم منتف بالحديث. وهذا أضعف من الأول؛ لأنه يكفي من ترتب أحكامه ظهور أثرها بعد البلوغ، والقائل بصحة إسلامه يقول: إنه إذا بلغ ووصف الكفر صار مرتدا، وهذا لا ينفيه الحديث، إنما ينفي المؤاخذة حين الصبا، والاسلام كالعبادات: الصوم والصلاة والحج، فكما يصح منه العبادات يصح منه الإسلام.

الوجه الرابع والعشرون

اختلفوا في وجوب الزكاة عليه؛ ومذهب الشافعي رضي الله عنه: وجوبها، ومذهب أبي حنيفة رحمه الله: لا تجب، وقد يتعلق بالحديث، والشافعي يجعلها كنفقة الأقارب، وأن الخطاب بها من باب خطاب الوضع، وقد قدمنا أنه غير مرفوع عن الثلاثة، والمكلف بإخراجها من مال الصبي هو الولي.

ومبنى الخلاف بين الإمامين على أن المغلب عليها شائبة العبادة أو النفقة؛ فأبو حنيفة غلب شوب العبادة فلم يوجبها، والشافعي غلب شوب النفقات فأوجبها، ويقول: إن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء الزكاة لكفاية الفقراء، فكما تجب عليه نفقة قريبة تجب الزكاة، وليست داخلة في خطاب التكليف الذي اقتضى الحديث رفعه.

الوجه الخامس والعشرون

اتفقوا على تأديب الصبي على ترك الصلاة إذا كان ابن عشر، كما صح الحديث فيه، ولا يعارض ذلك قوله: (رفع القلم عن ثلاثة)؛ لما قلنا: إن المراد الوجوب والتحريم، فضرب الصبي بما هو تأديب واستصلاح كاستصلاح البهيمة بضربها، وإن أخذ رفع القلم عاما، فيكون الحديث الدال على الضرب مخصصا له.

الوجه السادس والعشرون

قوله: (وعن النائم حتى يستيقظ) يقتضي ارتفاع تكليفه حالة النوم، وقد اتفق الفقهاء على أنه لو نام من أول وقت الصلاة إلى آخره وجب عليه بعد أن يستيقظ قضاء الصلاة، وذلك مجمع عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها). ولكن اختلفوا: هل ذلك بأمر جديد أو بالأمر الأول؟ والمشهور أنه بأمر جديد، وهو الوارد في الحديث، فلا يعارض رفع القلم عنه حالة النوم. وقيل: الأول وهذا القول يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يقال: الأمر الأول اقتضى الوجوب عليه والنوم مانع، فإذا زال المانع عمل المقتضى عمله، وتعلق ذلك الوجوب الذي اقتضاه الأول، وإن لم يتعلق به حالة النوم، وهذا لم أر من صرح به، ولكنه محتمل أن يقال، وإذا قيل به لا يعارض قوله: (رفع القلم عن ثلاثة) لأن المراد به عدم التعلق حالة الصبا والنوم والجنون، غاية ما في الباب اختلاف حكمهم في ذلك، فالصبي والمجنون لا يثبت حكم الخطاب في حقهم بعد ذلك؛ لأنهم ليسا من أهل الخطاب، فليس المقتضي في حقهم ثابتا، وانتفاء التكليف في حقهم لانتفاء المقتضي لا لقيام المانع، والنائم لقرب استيقاظه من أهل الخطاب، ولكن لا يتعلق به حالة النوم للغفلة كالساهي، فإذا زال النوم ظهر أثر الخطاب.

الأمر الثاني: مما يحتمله هذا القول: أن وجوب الصلاة ثبت في حقه حالة النوم، وهذا ظاهر كلام الفقهاء، ويؤول كلامهم إلى: أن معنى الوجوب ثبوتها في الذمة، ويفرقون بين الوجوب ووجوب الأداء، فأصل الوجوب مع النوم، والمراد به ما ذكرناه، ووجوب الأداء لا يحصل مع النوم، ولذلك قالوا في وجوب الزكاة: إنها تجب على الصحيح بحولان الحول قبل التمكن، وإن كان التمكن شرطا، ولكنه شرط في وجوب الأداء لا في الوجوب بمعنى الثبوت في الذمة، وإذا فسروا وجوب الصلاة على النائم بمعنى ثبوتها في ذمته، صارت كالديون التي تثبت في الذمة ولا يستدعي التكليف، والتحقت بخطاب الوضع، فلا تعارض قوله: (رفع القلم عن ثلاثة) لأنه إنما اقتضى خطاب التكليف.

فإن قيل: فكان ينبغي ثبوت هذا المعنى في الصبي والمجنون: قلت: لما كان زمن الصبا والجنون يطول، كان في ذلك مشقة، فلم يتعلق بذمتهما أيضا.

الوجه السابع والعشرون

إذا دخل على المكلف وقت الصلاة وتمكن من فعلها وأراد أن ينام قبل فعلها؛ فإن وثق من نفسه أن يستيقظ قبل خروج الوقت بما يمكنه أن يصلي فيه - جاز، وغلا لم يجز، وكذا لو لم يتمكن، ولكن بمجرد دخول الوقت قصد أن ينام، فإن بمجرد دخول الوقت حصل الوجوب، ولكن التمكن شرط في الاستقرار، فإن الصلاة تجب بأول الوقت، وتستقر بمضي زمان يتسع فعلها، فمتى قصد النوم بعد الوجوب ومضى زمان التمكن أولا كان الحكم كما ذكرناه. وحيث نقول بالإثم فهنا إثمان؛ أحدهما: إثم ترك الصلاة.

الثاني: التسبب إليه. فأما إثم التسبب غليه فهو الذي أردناه بقولنا: إنه يأثم بالنوم.

فإن قيل: إما أن يأثم قبل النوم، أو حالة النوم، لا سبيل إلى الأول، لأن سبب التفويت لم يوجد، ولا إلى الثاني، لعدم تكليف النائم، والإثم بلا تكليف محال.

قلنا: لا مانع من الإثم أول النوم وقبيله؛ أما أوله فلأنه مقدور، لأن الفرض كذلك، وهو سبب للفوات وهو قادر على دفعه، فأول جزء منه يقارنه الإثم بالخطاب السابق، والمحذور أن يوجد خطاب حالة النوم. وأما قبيله فلأنه إذا قصد ترك الصلاة وتعاطى أسبابه من التهيؤ للنوم أثم. وإذا ثبت الإثم عليه بأول النوم فلا مانع من انسحاب حكم المعصية وإن لم يكن حالة النوم عاصيا بالفعل، لكنه كسائر العصاة.

وهذه المعصية بالتسبب إلى تفويت الصلاة لا تساوي المعصية بترك الصلاة، فإن مفسدة الترك لم تتحقق بعد، وقد يستيقظ على خلاف ظنه، فإن استيقظ وصلى في الوقت لم يحصل له إثم ترك الصلاة، وأما ذلك الإثم الذي حصل فلا يرتفع إلا بالاستغفار عنه. بلى، عندنا في كونه كبيرة نظر؛ فإن كان حصل فلا يرتفع إلا بالإستغفار عنه. بلى، عندنا في كونه كبيرة نظر؛ فإن كان صغيرة وهو الأقرب فيزول بعدم الاصرار.

وإذا صلى والحالة هذه في بقية الوقت: هل تكون صلاته أداء أو قضاء؟ يحتمل أن يأتي فيه ما قاله القاضي أبو بكر والغزالي فيما إذا ظن المكلف أنه لا يعيش إلى آخر الوقت ثم عاش وصلى؟ قال القاضي: هي قضاء. وقال الغزالي: هي أداء؛ إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه. وههنا يحتمل أن يقال بذلك، ويحتمل أن يفرق بأنه هناك لما ظن أنه لا يعيش تضيق عليه، وهنا لم يتضيق عليه، بل هو مخاطب بأحد الأمرين؛ إما أن يعجل الصلاة، وإما أن لا ينام، ومعصيته بتفويت أحد الأمرين؛ والوقت لم يتغير في حقه.

وإن لم يستيقظ إلا بعد الوقت فقد حصل إثم ترك الصلاة وهو كبيرة، ولكنا متى نحكم بذلك؟ يحتمل أن يقال بخروج الوقت. وإن كان نائما تبين لنا أن إثم التفويت حصل بأوله. ويحتمل أن يقال: إنه يحصل وهو نائم؛ لأن سببه صادر منه، وهو بصفة التكليف. ويبعد أن يقال: إنه لا يحصل حتى يستيقظ فيتعلق ذلك الإثم؛ فإنه لا معنى لذلك، وقد يموت في منامه.

الوجه الثامن والعشرون

إذا أراد أن ينام قبل الوقت، ويغلب على ظنه أن نومه يستغرق الوقت، لم يمتنع عليه ذلك؛ لأن التكليف لم يتعلق به بعد، ويشهد له ما ورد في الحديث: أن امرأة عابت زوجها بأنه ينام حتى تطلع الشمس فلا يصلي الصبح إلا ذلك الوقت، فقال: إنا أهل بيت معروف لنا ذلك - أي: ينامون من الليل حتى تطلع الشمس - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظت فصل). أو ما هذا معناه.

الوجه التاسع والعشرون

هل يجب إيقاظ النائم الذي لم يصل؟ فنقول: أما الأول الذي نام بعد الوجوب عاصيا، فيجب إيقاظه من باب النهي عن المنكر. وأما الذي نام قبل الوقت فلا؛ لأن التكليف لم يتعلق به، لكن إذا لم يخش عليه ضررا فالأولى إيقاظه؛ لينال الصلاة في الوقت، قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرءا قام من الليل فصلى، ثم أيقظن زوجته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء)، فإذا كان هذا في قيام الليل، فما ظنك بالفريضة!!؟

الوجه الموفي ثلاثين

لا فرق في النوم بين الثقيل والخفيف إذا زال معه الشعور، وأما السنة التي تحصل في العين ولا يزول بها شعور القلب فلا يسقط بها التكليف، فإن سميت نوما فالحديث مخصوص بها، والأقرب أنها تسمى نوما، ولذلك قال تعالى: (لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَومٌ).

الوجه الحادي والثلاثون

إذا ثبت أن النائم رفع عنه القلم لعدم شعوره، فالمغمى عليه بطريق الأولى، لأن النوم أسرع زوالا من الإغماء. وقيل: إن النوم يستر العقل، والإغماء يغمره، والجنون يزيله. ولعل النبي صلى الله عليه وسلم نص على الطرف الأعلى مما يطرأ على العقل وهو الجنون، وعلى الطرف الأدنى وهو النوم، ويعلم بذلك ما بينهما فيلحق بها.

وأما السكر وإن كان بينهما في إزالة الشعور، ولكن سببه معصية، فلذلك اختلفت العلماء في تكليف السكران، والذي نقله أبو حامد عن مذهب الشافعي: أنه مكلف، وإن كان كلام النووي يقتضي أنه غير مكلف، وكأن النووي أخذه من الأصوليين، فإنهم يطلقون: أن النائم والناسي والسكران غير مكلفين، وطوائف من الفقهاء يطلقون التكليف حتى في النائم والناسي، ونحن لا نوافقهم في النائم والناسي إلا بمعنى الثبوت في الذمة كما سبق، والظاهر أنه مرادهم، وأما السكران فمرادهم المؤاخذة لمعصيته، وتحقق ذلك مذكور في الفقه والأصول.

الوجه الثاني والثلاثون

(نائم) قبل دخول الألف واللام يدل على شخص مطلق متصف بنوم مطلق، أعني مطلق شخص متصف بمطلق نوم، وبعد دخول الألف واللام يدل على كل شخص متصف بمطلق نوم، فدلالته على الأشخاص عامة عموما استغراقيا، ودلالاته على النوم مطلقة، لكن يعم بحسب عموم الأشخاص، يعني إذا وجد شخصان؛ اتصف أحدهما بنوع من النوم، واتصف الآخر بنوع آخر منه، ثبت الحكم لهما جميعا لأجل عموم الأشخاص، وليس ذلك لعموم النوم، بل النوم مطلق على حالة، لكن لو أخرجنا ذلك النوع منه لأخرجنا الشخص المتصف به، ففات عموم الأشخاص، فلا منافاة بين قولنا بالاستغراق في ذلك، وقولنا بأن النوم مطلق.

وقد تكلمنا على الدلالة الثانية، وقلنا: لا فرق بين النوم الثقيل والخفيف، وأن السنة التي يبقى معها الشعور إن سميت نوما خصص بها اللفظ وإلا فلا، وأما الدلالة وهي استغراق كل نائم فنتلكم عليها هنا ونقول:

عموم الأشخاص يخرج منه من لا ينام قلبه - وهم تنام قلوبهم - فلا يدخلون في حكم هذا الحديث في قوله: (وعن النائم حتى يستيقظ)، فالنوم في حقهم لا يرفع التكليف، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي). وهكذا أقول فيما ورد أنه صلى الله عليه وسلم في مرضه أُغمي عليه: أن ذلك الإغماء متعلق بجسمه صلى الله عليه وسلم خاصة، ولا تعلق له بقلبه، قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم إذا حفظ وعصم من النوم الذي هو أخف من الإغماء بطريق الأولى، وأما غلبة الأوجاع للخواص الظاهرة فذلك من الأمراض التي لا تمتنع، والإغماء كان من هذا القبيل، وليس كالإغماء الذي يحصل لغيره من آحاد الناس فيغمو قلبه.

نعلم بذلك أن قوله: (عن النائم) عام مخصوص، والأنبياء معصومون عما يطرأ على عقولهم.

الوجه الثالث والثلاثون

قوله: (وعن المجنون حتى يفيق) كذا في رواية يوسف بن موسى في حديث علي، وفي رواية عثمان بن أبي شيبة فيه: (عن المجنون حتى يبرأ)، وفي رواية ابن السرح فيه: (عن المجنون والمغلوب على عقله) ولم يذكر غاية، وهي مستغنى عنها كما قدمناه، وفي رواية أبي ظبيان عن علي وهي منقطعة: (عن المعتوه حتى يبرأ) وفي رواية أبي الضحى عن علي: (عن المجنون حتى يعقل)، وفي رواية ابن ماجه: (حتى يعقل أو يفيق).

وهذه الألفاظ كلها متقاربة أو متوافقة، والمجنون والمعتوه واحد هنا، وإن كان اللغويون أطلقوا أن المعتوه: الناقص العقل، والمراد بنقص العقل: نقصانه عن أهلية الخطاب، وذلك هو الجنون، ولا يراد بذلك ما قد يطلقه بعض أهل العرف من نقصان العقل على من لم يكن كامل العقل وافره، فإن ذلك نقصان كمال.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها: (وعن المبتلى حتى يبرأ)، والمبتلى وإن كان من حيث الوضع أعم من المجنون، فإن المراد به هنا المجنون؛ لدلالة بقية الروايات عليه، وللإجماع على أن المبتلى بغير ذلك لا يرتفع عنه القلم، وإطلاق المبتلى على المجنون إطلاق ممكن، فإنه لا بلوى أعظم من ذهاب العقل إلا ذهاب الدين، وسائر الأمراض البدنية غير الجنون لا يخرج صاحبها عن خاصة النوع الإنساني، والجنون يكاد يخرجه فإن الذي يتميز به الإنسان عن البهيمة هو العقل.

الوجه الرابع والثلاثون

تقول العرب: جن الرجل - مبنيا لما لم يسم فاعله - جنونا، وأجنة الله - رباعيا - فهو مجنون، ولا تقل: مجن، وإن كان هو قياس الرباعي، وقولهم في المجنون: ما أجنة! شاذ لا يقاس عليه.

الوجه الخامس والثلاثون

الجنون قد يكون منطبقا وقد يكون منقطعا، والحديث قد شمل النوعين، فإن المنقطع يثبت حكمه كلما طرأ، ويزول كلما زال، وذلك مقتضى قوله: (حتى يفيق)، فإنه اقتضى تعليق رفع القلم بالجنون، وزوال رفعه بالإفاقة، ولكن ذلك بواسطة ما اقتضاه الحديث من كون الجنون علة الرفع، والإفاقة علة التكليف، والمعلول يتكرر علته، وأما إذا نظرنا إلى مجرد اللفظ من غير ملاحظة التعليل فلا يقتضي ذلك، لأن (رفع) و (يفيق) فعلان في سياق الإثبات لا عموم لهما، والشخص واحد، وإنما دل العموم على الوجه الذي قررناه فيما سبق عند تعدد الأشخاص.

الوجه السادس والثلاثون

قوله في رواية ابن السرح: (المجنون المغلوب على عقله)، يظهر أن المغلوب على عقله بيان للمجنون أو تأكيد، وفيه إشارة إلى أن العقل حاصل ولكن غلب عليه، وهو أولى من قول الفقهاء: إنه يزيل العقل. والعقل صفة غريزية في الإنسان، لكن يطرأ لها فساد، فسمى الفقهاء ذلك زوالا، وما أشار إليه الحديث هو الصواب.

الوجه السابع والثلاثون

في حديث عائشة الذي رواه ابن ماجه: (رفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل - أو يفيق - قال أبو بكر في حديثه: (وعن المبتلى حتى يبرأ). وهذه يتوهم: ان هذه زيادة على الثلاثة، وليس كذلك، بل مقصودا ابن ماجه أن أبا بكر ابن أبي شيبة قال بدل: (المجنون حتى يعقل - أو يفيق - )، (المبتلى حتى يبرأ)، وغير أبي بكر من شيوخ ابن ماجه قال: (المجنون حتى يعقل - أو يفيق - ) والمعنى واحد، وهم ثلاثة في كل رواية.

الوجه الثامن والثلاثون

قول أبي داود: رواه ابن جريج، عن القاسم بن يزيد، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم زاد فيه: (الخرف) - يقتضي أنه زائد على الثلاثة، وهذا صحيح، والمراد به: الشيخ الكبير الذي زال عقله من الكبر، فإن الشيخ الكبير قد يعرض له اختلاط عقل يمنعه من التمييز ويخرجه عن أهلية التكليف، ولا يسمى جنونا، فإن الجنون يعرض من أمراض سوداوية ويقبل العلاج، والخرف بخلاف ذلك، ولهذا لم يقل في الحديث: حتى يعقل؛ لأن الغالب أنه لا يبرأ منه إلى الموت، ولو برأ في بعض الأوقات برجوع عقله تعلق به التكليف، فسكوته عن الغاية فيه لا يضر، كما سكت عنها في بعض الروايات في المجنون.

وكنا قد قدمنا أن الحديث في سقوط التكليف عن الشيخ الكبير: موضوع ومرادنا به إذا كان عقله ثابتا، ووضع الحديث في نفسه، وأما سقوط التكليف عن الخرف الذي زال عقله،، فلا شك فيه، وإن كان الحديث الوارد فيه منقطعا؛ لأن القاسم لم يدرك عليا، لكنه في معنى المجنون، كما أن المغمى عليه في معنى النائم.

ولا يفوت الحصر بذلك إذا نظرنا إلى المعنى، فهم في الصورة خمسة؛ الصبي، والنائم، والمغمى عليه، والمجنون، والخرف. وفي المعنى ثلاثة.

ولما لم يكن النائم في معنى المجنون؛ لأن الجنون يفسد العقل بالكلية، والنوم شاغل له فقط، فبينهما تباين كثير - لم يجعل في معناه، وعدا شيئين وأحكامهما مختلفة، بخلاف الخرف والجنون أحكامهما واحدة وليس بينهما تفاوت، ويظهر أن الخرف رتبة متوسطة بين الإغماء والجنون، وهي إلى الإغماء أقرب. والله تعالى أعلم.

تم الكتاب بعون الله وحسن توفيقه والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

روابط

http://islamport.com/w/srh/Web/223/1.htm

http://shamela.ws/index.php/book/8466

http://waqfeya.com/book.php?bid=4927