نبيلة الورداني

من ويكيتعمر
اذهب إلى: تصفح، ابحث

الشيخوخة ......... فى اللغة والقرآن[عدل]

أ‌. د نبيلة الوردانى – الأستاذ المساعد بكلية التربية النوعية – جامعة بورسعيد

يقف العالم اليوم على تخوم وضع دميوجرافى لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، وهو وضع المسنين الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم في شتى أنحاء العالم، حيث وصلت نسبة كبار السن في العالم إلى ما يزيد عن 8% من عدد السكان، ويتوقع الخبراء أن يكون 20% من سكان العالم عام 2030م من المسنين فوق 65 عاما، وأغلبهم من إنحاء من النساء وذلك للتحسن الكبير الذي طرأ فى الرعاية الصحية في العالم كله حدود العمر الثالث للإنسان : يطلق مصطلح العمر الثالث للإنسان على مرحلة " الضعف التانى" بعد مرحلة الرشد أو القوة، كما يحددها القرآن الكريم ، "..... ثم جعل من بعد قوة ضعف وشيبة " ( الروم :54)

وتوجد في تراث علم النفس المعاصر تسميات كثيرة لهذه المرحلة، فهي الرشد المتأخر، أو التعمير أو التقدم في السن، أما اللغة العربية في حافلة بألفاظ كثير منها:-

  • 1- الكبير وهو الطاعن في السن
  • 2- الشيخ وهو الذي استبانت فيه السن، ويقال أنه من بلغ الخمسين حتى آخر العمر.
  • 3- المخلد وهو الذي أسن ولم يشب 4- المسن وهو الذي أرتفع عن المخلد.
  • 5- النهشل وهو المسن وفيه بقية ولم يذهب بعد كل شبابه 6- الخنشل وهو المسن القوى.

ولعل المتأمل في قائمة الألفاظ السابقة يكتشف أنها جميعا تدل على أن هذه المرحلة من النمو تتسم بالتدهور والهبوط والضعف الذي يحدث في جميع جوانب حياة الإنسان، فالتغيرات التي تطرأ على جلد الإنسان وشعرت وقايته وقوة عضلاته ونشاطه وكفاءته في الاستجابة، كما أ، هذه الفترة تمر بتحديات التكيف ومشكلات التوافق التي تحتاج إلى المعالجة حتى يمكن للمرء أن يتسمر في حياته، وقد أسهمت مؤسسات رعاية المسنين – بشكل غير مقصود – في عملية التفكك الأسرى، فقد عجلت في تحجيم الأسرة الممتدة، وقللت نسبيا من مسئولية الأبناء تجاه الآباء ولعل هذا يدعونا إلى التحسر على العصر النبيل الذي أنقضى حين كان الجد والحفيد يتفاعلان معا تحت سقف واحد، وقد أكدت بعض الدراسات الحديثة أنه حين يقضى الطفل بعض الوقت في تعامل مباشر مع المسنين تتحول إنطباعات الأطفال من السلبية إلى الإيجابية. ونجد أن بعض المجتمعات الحديثة وخاصة الدول المتقدمة لا تفضل أن تطلق على الموظف بعد تجاوزه الستين " وصفة الشيخوخة" والتسمية الشائعة لديهم هذا " المواطن الكبير" "senior citizen" وهذه التسمية في اللغة الإنجليزية تتضمن المعانى الاحترام والمكانة الرفيعة والقدر العالى، وفى رأينا أن صفة الشيخ" في اللغة العربية تحمل هذه المعاني جميعا، فالكبير لغة هو الطاعن في السن، بينما الشيخ لغة هو الأستاذ والعالم وكبير القوم ورئيس الصناعة، وحين ينادى المرء في العربية بأنه شيخ فإن ذلك يحمل كل معاني التبجيل والاحترام والتقدير.

حدود الشيخوخة : -

متى تبدأ الشيخوخة؟ على الرغم من أن الشيخوخة حالة نفسية وعقلية لدى الكثيرين، إلا أنه توجد علامات للشيخوخة منها ما هو ظاهر كالتجاعيد وضعف القوة، ومنها ما هو باطني كضعف القلب والعيون وجهاز الناتجة وهناك نوع من كبار السن يظل محافظا على حيويته ونشاطه وفاعليته في أسرته ومجتمعه وفقا لما عاشه في مراحل عمره السابقة، ويتوقف هذا على مدى استثمار الفرد لإمكاناته السيكولوجية، معرفيه ووجدانية واجتماعية، كما يتوقف أيضا على نجاح الفرد في هذا الاستثمار طوال عمره كله، في شبابه وخلال سنوات نضجه ورشده، كما تتمثل أيضا في الرغبة المستمرة والمتزايدة في التعلم، وخاصه التعلم الذاتي، فإذا بدأ ذلك كله في التناقص والهبوط كان علامة على بداية النهاية من الناحية السيكولوجية وتوجه نموه نحو الانتكاس والاعتماد على الغير، بل قد يظهر النكوص أو العودة إلى أنماط مبكرة من السلوك أي عودة إلى الاعتماد الذي يشهده العمر الثالث، كما كان علامة " الضعف الأول" في مرحلة الطفولة والصبا والشباب" العمر الأول للإنسان" وصدق الله العظيم حين قال " ومن نعمره ننكسه في الخلق" ( يس : 68).

مراحل الشيخوخة : من خصائص الشيخوخة التدهور العام، إلا أن الملاحظ أن هناك دائما تعويض هذا التدهور، فالهبوط في القدرات العقلية والجسمية يعوض بالاستفادة من خبرات المسنين السابقة وبطء الاستجابة وزيادة زمن الرجع يعوض بزيادة المهارة وهذه المرحلة التي تمكن تعويض النقائص فيها هي المرحلة المبكرة، أما المرحلة المتأخر والتي يسميها القرآن الكريم " أرذل العمر" فإن التدهور فيها يصبح كاملا ويستحيل فيها التعويض، وحين يفقد المرء الرغبة في التعليم أو ألقدره عليه يكون هذا هو محك الشيخوخة الحقيقي، أي أن التعلم المستمر هو مصدر الحكمة والخبرة الذي أشار إليها القرآن الكريم حيث يصف العمر الثالث للإنسان بأنه مرحلة " ضعف وشيبه " بمقارنته بالعمر الأول للإنسان بأنه " محض ضعف" حيث يقول الله تعالى " ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبه " (الروم 54) ، وعندما يفقد المرء القدرة على التعلم فإنه يكون قد وصل إلى أرذل العمر وهى مرحلة يصفها القرآن الكريم " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا" ( الحج : 5)، وحينئذ يفتقد الحكمة والخبرة، لذلك يتضمن العمر الثالث للإنسان طورين هما : طور الشيخوخة وطور أرذل العمر، وصدق الله العظيم في قوله الكريم " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقنا كم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم، ونقر في الأرحام ما تشاء إلى أجل مسمى، ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم، ومنكم من يتوفى، ومنكم من يرد إلى أرذل العمر، لكيلا يعلم من بعد علم شيئا "( الحج :5)


كيف نجعل الشيخوخة فترة هادئة ومفيد للمسن ولأسرته؟ هذا يرتكز على أساسين هما :- 1- الأساس العلاجي : ويتضمن تخليص المسن من الشوائب الصحية التي لحقت به وأصابته وجعلته فريسة لمجموعة من الأمراض، والرعاية الصحية تهدف إلى منع تدهور الشخص المسن ومحاولة إطالة عمره أو على الأقل جعل حياته، أكثر حيوية وهذا يتحقق بتعاون هيئات المجتمع والذي يمثل الطبيب أهم جزء منها حيث مازالت الشيخوخة لم تحظى بعناية في المجالات الطبية.

2- الأساس الوقائي : - ويتمثل في : إبعاد المسن عن بعض المواد الغذائية الضارة بحالته فالغذاء قليل السعرات الحرارية الغنى بالألياف والفيتامينات إلى جانب الخضروات والفواكه يقلل من معدل تشكيل الجزئيات الضارة، كما يساعد في الامتناع عند التدخين والكحول، وقد تبين في كثير من الدراسات الأجنبية أن "الصيام الإسلامي" يؤدى إلى تنشيط الجينات المسئولة عن إفراز الهرمونات والتي تساعد الخلايا على مواجهة عمليات الشيخوخة وتزيد من حيوية الجسم، وتجعل الخلايا تقاوم الموت وتعيش فترة أطول.

- كما أن الصلاة والتعبد والتأمل من أهم المنشطات الطبيعية والتي تساعد على زيادة إفراز هرمون " الميلاثونين"المسئول عن الشباب، والذي يؤخر بدوره أعراض الشيخوخة كما ينصح بتناول بعض الأغذية التي تعوض نقص هذا الهرمون كالذرة والأرز وفول الصوبا والشوفان والزنجبيل والطماطم والموز والجزر والخميرة.

- التدريب على ممارسة بعض الأنشطة الجسمية كالسباحة وركوب الدراجات، فالتمرينات الرياضية ينبوع الشباب للمسنين، حيث يزداد المحتوى العضلي للمسن ويقل المحتوى الدهني، كما أنها تؤدى إلى تحسين غضاريف المفاصل، بالإضافة إلى أنها تحسن الحالة الذهنية والبدنية وتبعث البهجة في النفس وتخفف أعراض الكآبة وتقلل من خطر تعرض المسن للخرف وفقدان الذاكرة ومرض الزهايمر.

- ويجب إدراك أن إيداع المسن في مؤسسة أو دار للمسنين هو آخر ما يمكن أن تلجأ إليه الأسرة، فالرعاية داخل المنزل، أكثر تقبلا من الناحية السيكولوجية بشرط أن تكون البيئة الأسرية مدعمة، مع توافر اتصال المسن مع أشخاص قريبين منه، كل هذا يشعر المسن بأنه لم يعزل أو ينبذ وأنه ماتزال له قيمته وصدق الله تعالى حين قال " وتلك الأيام نداولها بين الناس" أي على كل منا يدرك أن مرحلة الشيخوخة آتية لا محالة ولا مهرب منها، وأن نتعامل مع أبائنا وأجدادنا مدركين أننا سنصبح مثليهم لان الشيخوخة مرحلة عمرية حتمية لكل إنسان كتب له البقاء في الحياة.