«الحَجر على الأباء»..عقوق في أوراق رسمية
«الحَجر على الأباء»..عقوق في أوراق رسمية
جريدة التحرير 2015-11-16 15:57 - محمد رشدي
ضحى بأحلي أيام حياته في سبيل تربية أولاده، وأنفق عليهم الغالي والنفيس في سبيل إسعادهم، وما أن بلغ في السن عتيا، حتي رد له الأبناء الجميل في صورة "صحيفة اتهام" بمحكمة تتهمه بالسفه والجنون والعته، طمعا في ثروته أو لإزاحته من حياتهم.. ما سبق يمثل قصص لأغلب قضايا "الحجر علي الأباء" المنظورة في المحاكم، والتي ارتفعت بشكل مخيف، في اسائة واضحة لاستخدام نصوص الشرائع السماوية في ايذاء الوالدين.
أرقام صادمة
وفي دراسة صادمة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بينت أن عدد قضايا الحجر في تزايد مستمر؛ ما يؤكد أن الخلل مازال قائماً بل وفي تزايد، حيث شهدت محاكم الأسرة في مصر خلال عام 2013 أكثر من 2000 قضية حجر، زادت في عام 2014 لتصل إلى 2900 قضية، وفي عام 2015 الحالي وصل العدد إلى 3289، وهو مؤشر خطير، وخاصة إذا عرفنا أن غالبية هذه القضايا ثبت أنها كيدية، وقام الأبناء برفعها على الآباء والأمهات طمعاً في ثرواتهم.
ولد جاحد
ومن دعاوى الحجر المثيرة التى تنظرها محكمة زنانيرى، دعوى المدعو "رفاعى" ضد والده والتى طالب فيها بالحجر عليه لمنعه من الزواج بعدما أصبح يعيش وحيداً، ويؤكد دفاع الأب أن رفاعى عاش فى كنف أبيه طفلا مدللا بعد وفاة والدته وأن الأب رفض الزواج خوفاً من أن يتعرض الطفل لسوء على يد زوجة أبيه، وأنه واصل الإنفاق عليه حتى تخرج من الجامعة وبعدها قام بتزويجه ودفع كل نفقات الزواج بالكامل بعد أن كان قد اشترى له شقة فى مكان راق.
ويواصل المحامى محمد وهب الله، أنه وبعد أن إطمأن الأب على مستقبل ولده أراد أن يستريح من معاناة الزمن وفكر فى الزواج بمن يؤنس وحدته ويعوضه سنوات الحرمان التى عاشها بلا زواج وعندما عثر على الزوجة المناسبة أسرع إلى ولده الوحيد الشيخ رفاعى ليزف إليه الخبر ظنا منه أن الإبن سوف يفرح لفرحه لكن العكس حدث تمام بمجرد أن سمع الخبر كاد أن يغشى عليه وعقد جبينه واحمرت وجنتاه من شدة الغيظ وراح يعنف أباه على مجرد التفكير فى الزواج وألجمت المفاجأة لسان الأب، ولم يكتف الإبن عند هذا الحد بل أسرع إلى المحكمة ورفع دعوى قضائية للحجر على أبيه لمنعه من ممارسه حقه الطبيعى فى الزواج بمن يكمل معه مسيرة الحياة حتى محطته الأخيرة.
لمنعه من الزواج
صاحبة الدعوى رقم 1785 التى تواصل محكمة زنانيرى بالقاهرة نظرها، أصرت على الوقوف فى مواجهة والدها بعد وفاة والدتها لمنعه من تبديد ثروته على زوجته الجديدة ووضع حد لعربدته فى معاقرة الخمر التى لا يفيق من تأثيرها، على حد قولها، وسارعت برفع دعواها للحجر عليه.
وتؤكد الأبنة فى أسباب رفعها لدعوى الحجر ضد أبيها أن والدها استولى على أموال والدتها وشقيقتها وراح ينفقها على ملذاته وزوجته الثانية وتواصل قولها: أبى يطارد النساء ويرتاد الكباريهات ويعاقر الخمر وكان لا يرحم أمى المريضة ويتفنن فى تعذيبى أنا وشقيقتى "، وتابعت «عندما رحلت أمى عن الدنيا اشتد فى التنكيل بنا وإهانتنا حتى يرغمنا على مغادرة البيت وعندما رفضنا أن نتنازل له عما ورثناه من والدتنا هددنا بالقتل ولم نجد وسيلة للدفاع عن أنفسنا ومنعه من تبديد أموالنا سوى رفع دعوى الحجر عليه» .
أغلب القضايا كيدية
يقول الدكتور أحمد الملاح- الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر-: الحجر منصوص عليه في الشريعة الإسلامية لمن يسيء استخدام ماله، ويضر بنفسه وبالآخرين، ولهذا فإن الحجر هنا يكون وسيلة حماية وليس عقوبة، أما مفهومه القانوني فهو: المنع من التصرف في الأموال لطوائف معينة كالمجنون أو السفيه؛ حيث يقوم المتضرر من التصرفات غير المسؤولة لصاحب المال برفع دعوى حجر لمنعه من إضاعة ماله فيما لا يفيد؛لأنه يضر بالآخرين وأصحاب الحق في الميراث.
لفت استاذ الشريعة إلي أن الحكم بالحجر على الآباء والأمهات أو حتى الأبناء والأشقاء هو من سلطة القاضي وحده الذي يدرس القضية من كل جوانبها، ويصدر في النهاية حكمه، بناء على ما تطمئن إليه نفسه.
وأوضح الدكتور الملاح أن كل التشريعات العربية تضمن بنوداً خاصة بالحجر، والشروط الواجب توافرها في أي إنسان حتى يتم الحجر عليه هي شروط مشددة حتى لا يحدث تلاعب؛ لهذا نجد الغالبية العظمى من دعاوى الحجر يرفضها القضاء ويصفها بأنها: "دعاوى كيدية".
تشديد العقوبة
ويقول المستشار علي إبراهيم، الخبير القانوني، إن الارتفاع الكبير في عدد قضايا الحجر ظاهرة مؤسفة تدل على انهيار منظومة القيم وانعدام الذمة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذهب له ابن يشكو والده الذي يأخذ ماله، قال له: أنت ومالك لأبيك، ولهذا فإن ثبوت كيدية أي دعوى حجر، يستلزم أن يقوم المشرع بإيراد النص ليواجه به الواقع المؤلم، الذي نعيشه بمعاقبة الابن إذا تأكد أن الأسباب الداعية لقيام الدعوى منتفية، وأنها مجرد إساءة وإضرار بالأب أو الأم.
وللمحكمة كما يرى الخبير القانوني قد ترفض هذه دعوى "الحجر" لأحد الأمرين، إما لعدم وجود دليل، وهذا لا يمكن أن يحاسب عليه الأبناء، فقد يكون الأمر صحيحاً، ولكن لا يوجد ما يثبته، أما الحالة الثانية فهي أن يكون المطلوب الحجر عليه سليماً وعاقلا، ففي هذه الحالة يعتبر الابن قد تعسّف في استخدام حقه القانوني، لكن المحكمة لا تستطيع معاقبته من تلقاء نفسها، وأمام الوالدين أن يقوما بتحريك الدعوى الجنائية بالادعاء المباشر، أو باللجوء للنيابة لتقديم بلاغ ضد الابن، وهنا إذا كان سبب رفض الدعوى أنها غير صحيحة، فستقضي بمعاقبة المدعي بعقوبة تصل إلى الحبس والتعويض، أما إذا كان لعدم وجود دليل، فإن المحكمة تقوم بالتحقيق لإثبات حقيقة سوء النية.