الأداء الوظيفي مع تقدم السن
مقدمة[عدل]
يتغير الجسم و التفكير مع تقدم السن بسبب عوامل عدة. و نميل للحكم على مدى "شباب" أو "شيخوخة" أي فرد من خلال تقدير مستوى الأداء الوظيفي للفئة العمرية لهذا الفرد. و هذا الأداء الوظيفي (الشيخوخة) يمكن أن نوجز المؤثرات الثلاثة الأساسية التي تشكِّله في:
- تراكم تأثيرات النوبات المرضية و الأمراض المزمنة على مر السنوات
- أسلوب المعيشة
- الهِرَم
تراكم تأثير الأمراض[عدل]
على المسنين يصاب الإنسان بنوبات مرضية مثل حصوات الكلى أو الإلتهاب الرئوي، أو يصاب بأمراض مزمنة تعرضه لمضاعفاتها، مثل إرتفاع الضغط و السكر في الدم. و هذه المضاعافات و الأمراض هي التي تؤدي إلى تدهور وظائف الجسم. عندما يتدهور الأداء الوظيفي بسبب هذا العامل، فإن نمط التدهور (الفترة الزمنية و الشدة و مكان الـتأثير) يعتمد على المرض المعني. و لكل مرض تسلسل مميز له يؤثر به على وظائف أعضاء الجسم. و عندما ندعي بأن ما يعني منه المسن من تدهور وظيفي هو بسبب مرضٍ ما، فيجب أن يدعم هذا الإدعاء مطابقة نمط التدهور الوظيفي لنمط التسلسل المعروف عن هذا المرض. مثلاً إذا كان الشخص يشتكي من مشاكل المشي بسبب إلتهاب الأعصاب الطرفية مع مرض السكري، فيجب أن يكون يدعم ذلك وجود مرض السكر لفترة كافية قبل هذه الشكوى، و يدعم هذه الفرضية تأثر وظائف أعضاء أخرى و تأكيد شكل المرض بالفحص الإكلينيكي (تماثله في الساقين و تأثر اليدين) و رسم الأعصاب بدرجة تفسِّر الشكوى.
أسلوب المعيشة[عدل]
تتأثر الصحة النفسية و الجسمانية و حتى طريقة التفكير بالعادات التي يمارسها الشخص بانتظام لفترة طويلة. و بعضها إيجابي مثل ممارسة الرياضة، أو زيادة الألياف في الطعام، أو المشاركة المجتمعية الفعالة. و بعضها ذو أثر سيء مثل التدخين، و البدانة (السمنة)، و الإفراط في تناول المشروبات الغازية أو الدهون أو الملح، و التشبث بالسلوك الشخصي الإنعزالي. و كما تنحت عوامل التعرية الصخور الصلبة و تشكلها، فإن المزيج الفريد من هذه العادات الشخصية المستمرة يُنتج شكلاً فريداً للحياة اليومية و السلوكيات التي يمكن التنبؤ بها، و التي تميز شخصية الفرد المعروفة لمن حوله. و عموماً، تقدم الحرفة و بيئة السكن أكثر هذه العادات. و بذلك نستطيع أن نصف أنماط معيشة (أي مجموعة من النشاطات المتكررة و السلوكيات التي يمكن التنبؤ بها و القيم الإجتماعية) مميزة لكلٍ من المجموعات المهنية و السكانية مثل للأطباء أو المحامين أو العسكريين أو الفلاحين، أو البدو أو أرباب المعاشات... إلخ. عندما ندعي بأن التدهور في الأداء الوظيفي هو بسبب أسلوب معيشة المسن، فيجب أن يدعم هذا الإدعاء دليل من شيوع هذا المستوى من الأداء الوظيفي بين نفس الفئة العمرية من الجماعة التي تشاركه في هذا النمط من النشاط؛ مثل أن يكون صعوبة المشي و قلة الحركة مفهوماً مع تقدم سن الكُتّاب و المحاسبين، بينما لا يكون تأثير نمط الحياة تفسيراً مقبولاً لكبار السن في الريف و حراس العقارات في نفس الفئة العمرية، لأنهم إعتادوا النشاط الجسماني و الحركة لعقود متواصلة من حياتهم.
الهِرَم[عدل]
و هذا يعكس التأثير الصافي لتقادم المادة الوراثية و تراكم العيوب فيها. و بالتدريج البطيء يضعف أداء هذه المادة الوراثية بتراكم الأخطاء الصغيرة الكثيرة المتناثرة. و هذا التأثير بطيء شديد، و لا يبدأ في مرحلة متأخرة من العمر، و إنما يبدأ أثناء تكون الجنين! و يتمثل هذا التأثير في نقص قدرة الشخص على التأقلم مع المتغيرات الداخلية (مثل إنخفاض مستوى الصوديوم في الدم أو درجة حموضة الدم) أو الخارجية (مثل الحر الشديد أو التقلبات الحادة في مواعيد النوم). على هذا فإن تاثير الهرم لا يظهر عموماً إلا وقت مواجهة التحديات البيئية، فهو يشبه تناقص الإحتياطي من قدرات الأعضاء و ليس مسؤولاً عن عجزها في الظروف اليومية العادية؛ فمثلاً لا يعاني كبار السن مشكلة الجفاف في الأيام العادية طالما توفرت لهم الكميات المناسبة من السوائل، و لكن أثناء شهر رمضان، يتعرضون أكثر من الشباب للإصابة بالجفاف عند نقص كمية السوائل المتاحة لهم، بسبب هرم الكليتين و نظام التحكم في مستوى أملاح الجسم. و لأن هذه الظاهرة شائعة بين كل كبار السن من فئة عمرية معينة في بيئات مختلفة (مثل العرب و الأوروبيين و الأفارقة و الهنود أو المحاسبين و الحرفيين و الفلاحين) فإنها ظاهرة شاملة عامة على بني آدم، و يمكن إعتبارها من مظاهر الهرم.
على عكس ما درج عليه الإعتقاد بأن هِرَمم الجسم هو السبب الرئيسي لتدهور الأداء الوظيفي المصاحب لتقدم السن، فإن الحقيقة هي أنه يساهم بمقدار محدود، بينما يعتبر تأثير تراكم الأمراض على مر الزمن العامل الأكبر لهذا التدهور الوظيفي.
و على هذا فيمكن أن نميِّر بين نوعين من تقدم السن: الهرم و الشيخوخة، حيث يعتبر الأول هو التدهور البطيء المصاحب للتقدم في السن، و الذي لا يظهر تأثيره إلا عند إستنزاف الإحتياطي تحت وطأة أي مشكلة صحية. بينما الثاني هو التدهور الناتج عن العوامل الخارجية في البيئة المحيطة و الأمراض. و تفاعل الإثنين هو الذي يُنتج الشكل النهائي لأداء المسن.