مكافأة الجاحدين لآبائهم: الحجر يدق ناقوس الخطر

من ويكيتعمر
اذهب إلى: تصفح، ابحث


منقول من منتدى الألوكة

مكافأة الجاحدين لآبائهم: الحجر يدق ناقوس الخطر

جمال سالم

تاريخ الإضافة: 3/1/2007 ميلادي - 13/12/1427 هجري زيارة: 11443

كثرت في الفترة الأخيرة قضايا حجر الأبناء على الآباء والأمهات؛ مما يؤكد أن الروابط الأسرية في خطر، ومن المحزن أن الغالبية العظمى من هذه القضايا أثبت القضاء أنها كيدية ورفضها؛ إلا أن هذا لم يوقف مؤامرات الأبناء على ذوي الفضل عليهم بعد الله سبحانه وتعالى، من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي ندق فيه ناقوس الخطر قبل أن تتفشى هذه الظاهرة التي تهدد المجتمع بالانهيار.

في البداية نعرض لنماذج صارخة من قضايا الحجر، التي نشرتها وسائل الإعلام وأثارت ردود فعل صارخة: أم ثرية لأحد المحافظين تآمر عليها أبناؤها الأربعة برئاسة المحافظ، ونجحوا في الحصول على حكم بالحجر عليها على الرغم من أنها متزنة عقليّاً، وبعد الحكم أستيقظ ضمير الأخ الأصغر وقام بفضح مؤامرة أخوته، وأخذ ينشر المؤامرة في وسائل الإعلام، إلا أن نفوذ المحافظ آنذاك جعل صرخات أخيه تذهب أدراج الرياح.

رجل أعمال شهير جداً كانت له صولات وجولات في مجال المقاولات في مصر والوطن العربي، وانتهى به الأمر أن قام أبناؤه بالحجر عليه ومنعوه من أي تصرف في أمواله الطائلة، وبعد وفاته بسنوات أفلست الشركة وتحولت مكاسبها الطائلة إلى خسائر بالجملة.

أب نذر حياته لابنته الوحيدة بعد وفاة أمها، ورفض الزواج بأخرى حتى لا يظلمها، أو يأتي لها بزوجة أب تنغص حياتها، وبعد أن كبرت وتزوجت بأحد المشاهير، قررت الحجر على والدها المسكين، ومنعته من التصرف في أمواله بعدما رفض أن يكتب لها كل ثروته ويحرم بقية الورثة من نصيبهم الشرعي، انهار الأب من تصرف ابنته التي قابلت الوفاء بالجحود، وأصيب باكتئاب نفسي، ودخل أحد المصحات بعد أن استولت وحيدته على ثروة عمره.

اتفقت البنات الأربع وأزواجهن على الحجر على والدتهن التي ضحت بحياتها من أجلهن؛ حيث توفى والدهن وهن في سن الزهور، ورفضت كل إغراءات الزواج، وأفنت شبابها من أجلهن، وكان الجزاء هو الجحود وقسوة القلب،الذي أصبح كالحجارة بل أشد قسوة، وذهبت الصدمة بأعصاب الأم وذهب عقلها، ودخلت مستشفى الأمراض العقلية.

  • أرقام مخيفة:

نظراً للزيادة المستمرة في أعداد قضايا الحجر أعد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية دراسة، أكد فيها أن عدد قضايا الحجر في تزايد مستمر؛ مما يؤكد أن الخلل مازال قائماً بل وفي تزايد، وفي مدينة القاهرة وحدها شهدت محاكمها خلال عام 2003 أكثر من 2000 قضية حجر، زادت في عام 2004 لتصل إلى 2900قضية، وفي عام 2005 وصل العدد إلى 3289، وهذا مؤشر خطير، وخاصة إذا عرفنا أن غالبية هذه القضايا ثبت أنها كيدية، وقام الأبناء برفعها على الآباء والأمهات طمعاً في ثرواتهم، أو الكيد لبقية الورثة، حيث تسبق قضية الحجر محاولات مستميتة لإجبار الأب أو الأم على التنازل برضاه إلا أنه يرفض ذلك، لأنه مازال بكامل قواه العقلية، أو يقومون بتحريضه لكتابة الميراث لمجموعة من الورثة وحرمان الباقي، وعندما يرفض هذه المؤامرات، فإن مصيره الوحيد والحتمي من وجهة نظر هؤلاء البنات والأبناء العاقين هو الحجر، الذي وصل لدرجة من القسوة أن الأبناء رفضوا استلام جثة أمهم بعد وفاتها، وقد كانت ثرية وفرضوا الحجر عليها، وأودعوها داراً للمسنين المجانية الحكومية، ولم يزوروها لسنوات، وعندما أبلغتهم دار المسنين بوفاتها ردوا جميعاً:"أدفنوها في مقابر الصدقة؛ لأننا ليس لدينا وقت للحضور وأخذ الجثة وإقامة عزاء ".

وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن أكثر من 93% من قضايا الحجر كيدية تصدى فيها القضاء لمؤامرات الأبناء، وأنصف الآباء إلا أن محاولات الأبناء لرفع دعاوى جديدة والتشكيك في الحكم الصادر لصالح آبائهم وأمهاتهم يتطلب وقفة للتصدي لهذه المؤامرات الشيطانية التي يتفنن فيها شياطين الأنس أكثر من شياطين الجن.

  • الردع القانوني:

عن العقاب القانوني لقضايا الحجر وضوابطها يقول الدكتور عبد الله النجار- الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر-: الحجر منصوص عليه في الشريعة الإسلامية لمن يسيء استخدام ماله، ويضر بنفسه وبالآخرين، ولهذا فإن الحجر هنا يكون وسيلة حماية وليس عقوبة، أما مفهومه القانوني فهو: المنع من التصرف في الأموال لطوائف معينة كالمجنون أو السفيه؛ حيث يقوم المتضرر من التصرفات غير المسؤولة لصاحب المال برفع دعوى حجر لمنعه من إضاعة ماله فيما لا يفيد؛لأنه يضر بالآخرين وأصحاب الحق في الميراث، والحكم بالحجر على الآباء والأمهات أو حتى الأبناء والأشقاء هو من سلطة القاضي وحده الذي يدرس القضية من كل جوانبها، ويصدر في النهاية حكمه بناء على ما تطمئن إليه نفسه،وإذا تأملنا كل التشريعات العربية لوجدنا فيها بنوداً خاصة بالحجر، والشروط الواجب توافرها في أي إنسان حتى يتم الحجر عليه هيشروط مشددة حتى لا يحدث تلاعب؛ لهذا نجد الغالبية العظمى من دعاوى الحجر يرفضها القضاء ويصفها بأنها: "دعاوى كيدية".

يقترح تشديد العقوبة القانونية على أصحاب الدعاوى الكيدية؛ حتى يتم التصدي لكل من تسول له نفسه ظلم أقرب الناس إليه وهم الآباء والأمهات، وفي هذا التشديد للعقوبة حتى ولو وصلت إلى حد الحرمان من الميراث فإن كل من يفكر في الإقدام على هذه الخطوة سيفكر ألف مرة؛ حتى لا يعرِّض نفسه للسجن والحرمان من تحقيق مبتغاه وهدفه الخبيث، وحقاً "إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن"، وللعلم فإن الحجر لا يحرم المحجور عليه- في معظم الحالات-كل ماله وإنما يتم تخصيص جزء من المال للأنفاق عليه وكأنه قاصر، في حين تسند إدارة الأموال لمن صدر لصالحهم الحكم القضائي الذي يتم اتخاذه بعد إجراءات صارمة، إلا أن المحسوبية وعدم الضمير من بعض القضاة قد تجعله يصدر حكماً بالحجر على من لا يستحق هذا الأمر القاسي على النفس.

  • تدمير المجتمع:

وعن الآثار الاجتماعية لانتشار قضايا الحجر الذي لا يستند إلى أسس سليمة قال الدكتور أحمد المجدوب - أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية-: لا شك أن غياب التنشئة الإسلامية وكذلك التدليل أو الحرمان الزائد يؤديان لنفس النتيجة، وهى عدم وجود أسوياء من بين الأولاد، الذين يطمعون في الاستمتاع بما في يد أبيهم أو أمهم دون احترام أية مشاعر إنسانية؛ حيث سيطرت عليهم الأنانية، وتكون النتيجة الحتمية لذلك هي تدمير الروابط الأسرية، وفقدان الثقة في الأبناء والبنات الذين قد يضطرون إلى "جرجرة" آبائهم وأمهاتهم في المحاكم،ولهذا فإن على مؤسسات الإعلام والتعليم والتثقيف دوراً في إعادة الهيبة المفقودة للوالدين وانشغال الجميع بجمع المال.

وقد لاحظت أن غالبية من رُفِعَت عليهم قضايا حجرهم ممن يسيئون معاملة الأبناء والبنات بدرجات متفاوتة، أو يشعرون بأن وجود الآباء والأمهات عقبة في سبيل تحقيق أحلامهم، ولهذا فإن قطار مطامعهم يسير، ويقتل كل من يعترض طريقه، حتى لو كان أعز الناس إليهم. وفي بعض الحالات يتحمل الآباء والأمهات المسؤولية عما جرى لهم لأن هذا ما جنته أيديهم من حق أنفسهم وأسرهم حيث ينشغل الآباء والأمهات عن تربية ومراقبة أبنائهم وتركوا لهم الحبل على الغارب.

  • الحرمان من الجنة:

وعن حكم الشرع في هذه القضايا وهل من يرفع قضية حجر عاقاً لوالديه يقول الدكتور علي جمعة - مفتي مصر والأستاذ بجامعة الأزهر-: من الخطأ الحكم بأن كل من يرفع قضية حجر على خطأ بإطلاق، أو أن كل أب أو أم لا يتق الله في أمواله وينفقها في غير مصارفها الصحيحة، ويهدد سلوكه هذا بتبديد الثروة ويحرم الآخرين من حقوقهم، فمثل هذا يكون الحجر في صالحه، وذلك لأن هناك توجيهاًإلهيّاً بألا نعطي السفيه أموالاً، حتى لا يبددها فيما يضر بنفسه والمجتمع، فقال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [النساء:5].

وأوضح أن الفقهاء اختلفوا في الحكم، فمنهم من يرى الحجر يتم على الصبي والمجنون، وهناك من يرى أن الحجر على البالغ العاقل الذي يتصرف تصرفات من شأنها ضياع الثروة وإلحاقه الضرر بالأمة،واختلاف الفقهاء هنا منطلق من المحافظة على أموال بقية أفراد الأسرة والتصدي لأية تجاوزات قد تحول المال من نعمة إلى نقمة.

  • من الكبائر:

عن الفرق بين عقوق الوالدين والحجر، وهل يعتبر الحجر عقوقاً؟ قال الشيخ عبد الحميد الأطرش- رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف-: من الخطأ تعميم الأحكام وإنما لكل مسألة حكمها المستقل،وإذا كان الله قد توعد العاقين، وجعل العاق أحد ثلاثة تكفل الله بعدم دخولهم الجنة، وأن ينزل عليه عقوبة في الدنيا والآخرة، بل إن تقصير الوالدين في التربية لا يبرر إهانتهم أو التقليل من شأنهم،وإذا كان الله قد وضع ضوابط شرعية في معاملة الوالدين؛ فينبغي البعد عن وساوس الشيطان الذي يريد إهلاك أمتنا؛ حيث قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً}[الإسراء:23- 25].

ولابد من تطبيق القاعدة الشرعية حتى يحرم الطامع بغير هدف ميراث أبيه أو أمه، بأن من أستعجل أن يرث يحرم من الميراث، ويجب أن يتجرد القاضي من كل مشاعر الرحمة بهؤلاء الأبناء، وخاصة أنه ليست هناك عقوبة محددة في الدنيا، وإنما من حق القاضي استخدام حقه في العقوبات التعذيرية الرادعة الزاجرة، التي تردع ذوي النفوس المريضة.

لأن من عق أباه أو أمه فإن النار مصيره إلى أبد أبدين، لأن العقوق من الكبائر ويُعَجِّل الله بعقوبة العاق في الدنيا قبل الآخرة ولهذا قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: " بروا آباءكم تبركم أبناؤكم".


رابط