من ينقذ فقراء المسنين من التشرد?!

من ويكيتعمر
اذهب إلى: تصفح، ابحث

منقول[1]

موقع المستشار - تحقيق : عبد الرحمن هاشم .

البيانات الإحصائية تشير إلى زيادة عدد المسنين في مصر عاماً بعد آخر، فقد وصل عدد كبار السن في مصر – طبقاً لإحصائيات وزارة التضامن الاجتماعي - إلى 5600000عام 2004، بينما يشير الواقع الفعلي في شوارع العاصمة والمدن الكبرى إلى أن نسبة المسنين وكبار السن في المجتمع المصري الذي يتجاوز تعداده الثمانين مليوناً أكثر مما ذكرته وزارة التضامن الاجتماعي والإحصائيات الرسمية .

في هذا التحقيق محاولة لتناول الفئة المهمشة من المسنين ،وهم فقراء المسنين الذين ينتشرون في الشوارع وعلى الأرصفة بلا راعي ودون أي دعم معنوي أو مادي ، ورصد لدور المؤسسات الاجتماعية والخدمات التي تقدمها الوزارات المعنية، وذلك في محاولة منا لتسليط الضوء على قضيتهم ومعرفة حقيقة أوضاعهم ومشكلتهم وأسباب تجاهلها وغض الطرف عنها ودور المجتمع المسلم تجاه حاجاتهم ، ومطالبهم .. هذا ما توضحه لنا السطور التالية :


المسنون خارج دائرة الاهتمام .

لاحظنا على مدار أيام متصلة في بداية عملنا في هذا التحقيق وبعد اتصال بالمراكز الحقوقية في مصر أنه لا يوجد مركز حقوقي واحد أو قسم فيه يرعي حقوق المسنين. وبعد البحث على الإنترنت وفي مكتبة المركز القومي للبحوث الاجتماعية, لم نجد بحثًا واحدًا يصب كل جهوده على فئة ما يسمي بـ(مسني الشوارع). ورغم ذلك فإن هناك مقولات عامة ذكرها د. عزت حجازي في أحدث كتبه عن المسنين بالمركز القومي تساعد في فهم واقع المسنين في مصر ومنها:

وجود علامات على تنامي الالتفات إلي كبار السن والاستعداد للاعتراف بحقوقهم والعمل على حل ما يعانون من مشاكل على أصعدة صنع السياسة الاجتماعية واتخاذ القرار, ولكن إرادة الفعل لا تزال قاصرة إلي حد بعيد. كما أن الدولة تتجه إلي تقليص دورها في تحقيق الأمن الشامل لكبار السن مع إعادة الهيكلة الرأسمالية. والمفارقة الغريبة تكمن في أن الدولة التي تلقي بعبء العمل العام على القطاع الأهلي -المنظمات غير الحكومية- هي نفسها التي تقيد بصورة مخلة نشأة وتطور وفاعلية هذه المنظمات وتعمل على (إبقائها في عباءتها)..

إضافة إلى أن الخدمات التي تقدمها الوزارة لفئة المسنين قليلة جدًا ولا تكفي لتغطية احتياجاتهم، حيث توجد 84 دارًا لاحتواء 4000 مسن موزعة على 19 محافظة, منها 14 دارًا للمسنين غير القادرين, أما مكاتب خدمة المسنين على مستوي الجمهورية فقليلة أيضًا إذ تبلغ 25 مكتبًا فقط. وهناك تسع محافظات وعدة مدن كبري لم تقم فيها دور للمسنين حتى الآن, الأمر الذي أدى إلى تشرد المسنين في الشوارع وعلي الأرصفة بلا راعي ولا سند ودون أي دعم معنوي أو مادي, إضافة إلى ما يحدث لهم من الذل والإهانة من قًبل الشرطة أثناء حملات مكافحة التسول.


ماذا جنت يداي؟

في شارع الفرنواني بشبرا الخيمة المكتظ بالسيارات الحديثة مختلفة الألوان هالني ما رأيت: ففي ركن بجوار مدخل إحدى العمارات يرقد شيخ هرم تخطي الثمانين يفترش بطانية مهلهلة ويتغطي بملاءة وأسفله وسادة قديمة متسخة يتراكم عليها التراب والنمل والذباب والحشرات وبجواره زجاجة مياه .. اقتربت منه وحاولت أن أحدثه لكنه لم يجبني ولم يرد على فسألت المارة فأخذني أحدهم إلي شقة في الدور الأول وأخبرني أنها شقة السيدة أم ياسر - الوحيدة في الشارع التي تكفله وترعاه وتعرف قصته جيدًا-

فهو من دمنهور وُلد في عام 1927, أصم أبكم واسمه عبد الفتاح, لم يتزوج وكان عاملاً بشركة الشهيبي التي تركها بعد أن حبسوا صاحبها وأغلقوها, وقد عمل بوابًا في إحدى العمارات, وكان نشيطًا وخادمًا للجميع يقضي طلباتهم أيام كان في صحة وعافية, ومنذ تسع سنوات كان يسير عبد الفتاح على عكازه فصدمته سيارة نقل وهربت فهرع الناس إليه وحاولوا إسعافه في مستشفي الساحل الذي عولج فيه لثلاثة أشهر خرج منه على عكازين.. بحثوا عن ذويه فعلموا أن له أختًا ميسورة غير أن زوجها أبى أن يبيت الشيخ العجوز في بيته لليلة واحدة.


لو لم أتسول لمت جوعاً .

في نفق أشبه بالقبر لا ضوء ولا هواء تملؤه القاذورات وطفح المجاري, تقعد امرأة عجوز كفيفة تمد يدها اسمها نجية... ما الذي أتي بك هنا يا حاجة أليس لك زوج أو أبناء أو أهل? قالت: كان لي زوج يعمل حمالاً باليومية وكنا نسكن في شقة بالإيجار ولما توفي زوجي منذ 15 عامًا لم أعد قادرة على دفع الإيجار فتركت بيتي وانتقلت للعيش في عشش الهناجر, وليس لي أبناء ذكور, ولم يكن لزوجي معاش, ودلني البعض على مجلس المدينة فتقدمت وأعطوني شقة في الخانكة أعيش فيها مع ابنتي المطلقة ولها أربعة من الأولاد وتعمل أيضًا عاملة بيومية خمسة جنيهات ، وأنا أريد أن أنفق على نفسي وأساعد ابنتي وأسدد خمسة آلاف جنيه قيمة إيجار الشقة الذي لم أسدده منذ خمسة أعوام. فيأتي بي إلي هنا حفيدي كل يوم من العصر وحتى التاسعة مساءً عدا السبت والأحد، حيث تأتي حملة الشرطة وقد احتجزوني في السابق مرتين بتهمة التسول رغم أنني ليس لدي حرفة, ولو لم آت إلي هنا لمت جوعًا!!


رجال الأعمال .. " في الطراوة " !!

الدكتورة سامية خضر -أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس- ترى أن السبب في عدم القدرة على حل مشكلة المسنين أن مصر دولة فقيرة, وعلي قمة أولوياتها الأطفال والشباب وليس المسنين, فنحن لم نتفهم بعد أن قضيتهم غاية في الأهمية وجديرة بالاهتمام.

وتلقي بالمسئولية على رجال الأعمال والقادرين فتقول : لابد أن يتبرعوا لهم ببناء دور لرعايتهم ، لأن المتوافر منها بأجر, أما الدور المجانية فهي قليلة جدًا. وأرجعت أيضًا مشكلتهم إلي غياب ثقافة الخدمة الاجتماعية والعمل التطوعي والأهلي. وأكدت أن ذلك لابد أن يصاحبه اهتمام إعلامي حيث لا تزال هذه القضية محرومة منه. سألناها: ولكن ما سر إهمالها أيضًا على مستوي البحث الأكاديمي? ردت: نحن منشغلون بالزواج العرفي والطلاق لأن الأسرة المصرية بإمكانها احتواء مشكلة المسنين, وعشرهم فقط يحتاج لدور رعاية. أما غالبيتهم ففي رعاية أبنائهم وأحفادهم ولا تزال مشكلة فقراء المسنين بالنسبة للمجتمع المصري ليست كبيرة وليست صارخة.


كفالتهم ليست تفضلاً .

ما يقدم للمسن الفقير من خدمات ومساعدات .. هل هو من باب الفضل أم الواجب ؟

الدكتور محمد المختار المهدي - عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس الجمعية الشرعية والأستاذ بجامعة الأزهر- يوضح أن القرآن الكريم أكد أن ما يقدم للمحتاجين والمحرومين عموماً هو حق لهم على القادرين ، وليس تفضلاً منهم ، لقوله تعالى : " وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " .

وهذا الحق يتأكد للمسنين الفقراء ، والله عز وجل يختبرنا بهم ليرى من يساعدهم ويرفق بهم ويكفلهم ومن يجحد ويكفر بنعمة ربه ، ولأن الأيام دول والمواقع متبادلة ، فسوف يصبح الشباب الأصحاء مسنين في يوم من الأيام ، فضلاً عن أن هؤلاء المحرومين سيجعل الله لهم منزلة عالية يوم القيامة ويرفع من شأنهم ، ويتيح لهم من واسع فضله ، فيقول لهم : انظر عبدي إلى هذه الصفوف التي حبست من الجنة فانظر من سقاك منهم فيَ ، ومن أطعمك منهم فيَ ، ومن كساك منهم فيَ ، فخذ بيده إلى الجنة .. والمرء في ظل صدقته يوم القيامة .

ويؤكد الدكتور المهدي أن خيرية المجتمع تكون بقدر ما يرحب بالضعفاء والمحتاجين ولأن الدين الإسلامي هو أول من اعتنى بالضعفاء ، فالضعيف في شريعتنا هو أمير الركب ويؤثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه أنصف عجوزاً من أهل الكتاب وجده في الطريق يتسول ويسأل الناس فلما علم منه أنه لجأ لذلك كي يستطيع دفع ما فرضته الدولة عليه من ضريبة أمر سيدنا عمر بصرف راتب له من بيت مال المسلمين .

ويرى الدكتور المهدي أن مشكلة فقراء المسنين تكمن في مشكلة الزكاة التي لو أُخرجت بحقها وكما يجب أن تكون لما رأينا أبدًا مثل هذه الحالات، إذ يقول سيدنا على كرم الله وجهه (ما جاع فقير إلا بتقصير غني). وتثبت الإحصاءات أن المليارات التي يجب أن يخرجها الأغنياء تكفي الفقراء وزيادة, ولكن ما يحدث أنهم إما لا يدفعونها أصلاً أو يعطونها لغير مستحقيها رغم أن دافعي الزكاة عليهم أن يتحروا موقعها لكي يتقبلها الله عز وجل منهم. وهؤلاء المسنون الفقراء على الأمة أن تكفلهم من مال الزكاة.

سألته عن جهود الجمعية الشرعية في رعاية فقراء المسنين? وهل تبني دورًا لهم? فأجاب: نحن لا نشجع دور المسنين لمن لهم أبناء ، لأن الشرع يطالب ببر الوالدين ويجعله مقدمًا على الجهاد في سبيل الله. نحن لدينا دار واحدة هي دار الأنوار الكريمة بالمطرية, ونحن لا نريد التوسع في بناء دور أخري حتى لا نشجع الأبناء على عقوق أبنائهم بأن نوفر لهم مكانًا لإلقائهم فيه. كما أن حجم هذه الظاهرة لم يصل لدرجة نحتاج فيها لفتح دور أخري.

قلت له: ولكن إذا كان الأمر كذلك, فبماذا تفسر وجود المسنين في الشوارع على الأرصفة وفي الميادين والأنفاق.. أليس ذلك دليلاً على كبر حجم المشكلة?! أجاب: بلي فهناك أناس يتسولون لأنهم افتقدوا الحياء وهم ليسوا بحاجة للمساعدة.


عقوق الوالدين أحد أسباب الظاهرة .

عبد المؤمن عبد الحميد عبد الله -نائب رئيس جمعية منشية الحرية لتنمية المجتمع المحلي بشبرا الخيمة- أرجع تزايد أعداد المسنين لأسباب مختلفة منها الفقر وأزمة السكن التي تجعل الابن العاق يطرد أبويه ليستقل بالشقة إرضاءً لزوجته, يصاحب ذلك ضعف الوازع الديني, مع قلة الإرشاد الديني من قبل وسائل الإعلام فيما يتعلق بالأسرة وحقوق الوالدين, وأيضًا ندرة دور الإيواء للمسنين في المناطق الشعبية برغم وجود الكثافة السكانية الكبيرة وزيادة عدد المسنين الفقراء بها. إلا أن ضعف وأحيانًا غياب دور الجمعيات الأهلية مع قلة مواردها يجعل الأولوية للأطفال اليتامى وعددهم ضخم جدًا ورعايتهم تأتي على حساب المسنين.

سألته: ما رأيكم في الرأي القائل بأن قضية فقراء المسنين ومنهم المفترشون للأرصفة ليست بصارخة وليست ملحة ولا تستدعي حتى بناء دور لهم لأنها قد تزيد من عقوقهم? فأجاب: أعتقد أن مشكلتهم صارخة ويجب إعطاؤها حيزًا أكبر من الاهتمام, ودليل ذلك ما أشاهده بنفسي من حالات كثيرة تأتيني ليس فقط في منطقتنا, بل ذات المشكلة تواجه كل العاملين في ذات المجال ويذكرون أمامي الكثير من الحالات, فالبعض يطلق هذا الحكم لعدم انخراطه بالعمل الميداني الاجتماعي. أما حجة أن بناء دور إيواء سوف تشجع على عقوق الآباء فالرد أن من يبتليه الله بالعقوق لن يمنعه وجود الدار من عدمه فنحن نشاهد أبناءً يرمون أبويهم في الشارع ونري آخرين أثرياء يضعونهم في الدور ولا يشفقون عليهم ولو بزيارة واحدة.


المسن والحالة النفسية .

هل يعاني المسن من مشاكل نفسية ؟

الدكتور عمرو صلاح -ماجستير المخ والأعصاب والطب النفسي- يصف حالة المسن بأنه يعاني عادة اكتئابًا حادًا نتيجة شعوره بالجحود ونكران الجميل فيفكر مرارًا في الانتحار وعندما تسوء حالته يحاول الانتحار بالفعل, وتنتابه محاولات انتحار متكررة, ويصاحب ذلك إحساس دائم بأنه مريض, ويتوهم المرض, فيشعر بالقلق والخوف, ويصيبه فقدان الشهية واضطرابات النوم, ويتولد عنده الشعور بفقدان الانتماء للمجتمع والناس فيصاب بهياج ووساوس سمعية وبصرية.


أين طب المسنين ؟

يوضح الدكتور معتصم صلاح عامر -رئيس ومؤسس قسم صحة وطب المسنين بجامعة عين شمس- أن أغلب المسنين لديهم نسبة عجز ويحتاجون إلي رعاية صحية كاملة, وأشهر الأمراض التي تصيبهم هي أمراض القلب والشرايين والجهاز العصبي والعظم والمفاصل والجهاز الهضمي وباقي الأجهزة. وأكد أنهم مهمَلون رغم أن عددهم في زيادة ومشكلتهم خطيرة وإن لم نخطط لها ونستعد لتحولت إلي ظاهرة.. مشددًا على أن المسنين في مصر يمثلون 8% من الشعب المصري, أقل من 1% منهم تشملهم الرعاية, والباقي محرومون ولا تقدم لهم أي خدمات وتتوقف رعايتهم على قدراتهم المادية الشخصية. ودعا إلي تقديم رعاية مخفضة أو مجانية لمن ليس له عائل.

ودعا أيضًا إلي إنشاء مجلس أعلي للمسنين ليصبح بذلك ملفًا من ملفات الدولة، فهم حتى الآن ليس لهم جهة مسئولة عنهم ولابد من تأسيس قسم لرعاية صحة المسنين نفسيًا وعضويًا في كل مستشفي مع توفير رعاية صحية منزلية يقوم بها فريق طبي وتمريضي مدرب, وهذا يستدعي أولاً تأسيس أقسام طب المسنين في كليات الطب المصرية لتشجيع الأطباء للعمل في هذا الفرع, حيث لا يوجد على مستوي الجمهورية إلا قسم واحد في كلية طب عين شمس.

رابط[عدل]

مراجع[عدل]